أكد الشيخ ناجي العربي على عدم وجود نص صريح في الثناء على المال والدعوة إلى التمسك به وأرجع ذلك إلى رغبة الشارع المقدس في ألا يكون هذا النص الداعي إلى ذلك متوافراً مع ما في الطبيعة فتكون نتيجة ذلك أن تتكالب النفس في صورة الشح ولهذا جاءت النصوص مهذبة للنفس مدافعة لهذه الفطرة.
جاء ذلك خلال الندوة التي عقدها مجلس حسين شويطر مساء الأحد 5 مارس / آذار الجاري وتناول فيها موضوع الاستئثار بالثروة وشارك فيها كل من الشيخ ناجي العربي والسيد كامل الهامشي.
وأوضح العربي: «ان الشريعة أعطت المال اهتماماً كبيراً جداً لأنه عصب الحياة. والواقع أننا اذا تأملنا في نصوص الشريعة فلن نجد نصاً صريحاً يحث على المال والتمسك به والاهتمام به والسبب في ذلك أن العليم الخبير الذي خلق الخلق ويعلم حقيقة تركيبتهم يعلم أن النفس متكالبة على المال «وتحبون المال حبا جمّا» (الفجر: 20) ولذلك اكتفى الشارع الحكيم بداعية النفس في تمسكها بالمال جمعا وشحها في انفاقه. ثم جاء التشريع الحكيم «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسوراً» (الإسراء: 29)». وروى الامام البخاري في صحيحة فقال «حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد ابن المسيب وعروة بن الزبير قالا قال حكيم بن حزام (رض) سألت رسول الله (ص) فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال لي يا حكيم ان هذا المال خضل حلو فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه باشراك نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى» وهذا معناه أن المال محبب للنفس وأنه بدافع خلقتها وطبيعتها منجذبة إلى جمعه حريصة على ألا تفرغ اليد منه ولكن الشارع جاء فنظر إلى المال بنظرتين: نظرة أولى هي أن هذا المال مال الفرد ونظرة أخرى هي أن هذا المال مال الجماعة الإسلامية».
عرض زائل
وأضاف في السياق نفسه: «ان الله تبارك وتعالى نسب المال تارة اليك وتارة نسب المال إلى ذاته العلية «وآتوهم من مال الله الذي آتاكم» (النور: 33) وأخبر في القرآن في أكثر من موضع «الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله» (البقرة: 261) وذكر المال منسوباً إلى المكلف أو إلى الإنسان في أكثر من آية، ليقيم في ميزان هذه النفس أن هذا المال مال الله تبارك وتعالى وأنت خليفة الله في هذا المال ساقه اليك وجعل سنته في خلقه وأن المال عرض زائل وزواله في واقع الأمر وحقيقته هو انتقال من شخص إلى شخص فتارة تمتلئ يدك منه وتارة ينفذ من يدك بيد غيرك.
قصة الشاة والذئب
من جانبه طرح السيد كامل الهاشمي موضوع الاستئثار من خلال الحديث عن عنصري السلطة وادارة المعرفة. فأوضح: «عندما نعالج مشكلة الاستئثار بالثروة يظل الموضوع مبتورا طالما هو مبتعد عن عنصرين مهمين يرتبطان بها ارتباطا وثيقا هما عنصر السلطة أو إدارة القوة والعنصر الثاني هو عنصر ادارة المعرفة والاستئثار بالمعرفة فلو جئنا إلى مختلف المجتمعات البشرية بلا استثناء سواء كانت مجتمعات متدينة أو غير متدينة ملتزمة أو غير ملتزمة سنجد أن هذه العناصر الثلاثة دائما كانت تعيش اشكالا في عملية التركيب بينها. وتذكرني هذه العناصر الثلاث دائما بالقصة التي كنا أخذناها في المدارس والتي تحكي عن راع يريد نقل ذئب وشاة وبرسيم من ضفة إلى ضفة أخرى عبر زورق لا يسع الا الراعي وأحد الثلاثة اما الذئب أو الشاة أو البرسيم فكيف ينقل هذه الثلاثة إلى الضفة الأخرى من دون أن يأكل الذئب الشاة ومن دون أن تأكل الشاة البرسيم. هنا نحن أيضا في محاولة انتقال أن هذه العوامل الثلاثة عناصر نحتاجها بالضرورة ولا يمكن لمجتمع ألا يتعامل مع معرفة ومع انتاج أفكار والتي أصبحت اليوم هي الأهم من انتاج الثروة ومن انتاج السلطة وادارة السلطة لأنه قد أصبح اليوم مقررا أن من يمتلك المعرفة ويديرها هو بالتالي يدير السلطة ويدير الثروة».
الأولوية للمعرفة
وأضاف: «نعم في التجربة الأولى للبشر فان البشر ترقّوا بهذه الطريقة فكان الصراع في المرحلة الأولى بين الناس أول ما بدأ الصراع والتنافس والتدافع بين البشر بدأ عبر صراع بسيط على الثروات باعتبار أنها كانت أول الأمور التي يحتاجها الانسان أو شعر الإنسان بحاجة اليها أو يتنافس عليها لذلك بدأ الصراع بين البشر من موقع أن هذا الانسان يحتاج إلى هذه الثروة أو هذه الزراعة أو هذه الثمرة في الوقت الذي يحتاج اليها الشخص الآخر لكن في مراحل لاحقة تطور الصراع بين بني البشر على من يدير القوة والسلطة واعتبرت السلطة طريقاً لاكتناز الثروة والاستئثار بها فبدلا من أن نذهب ونحيي المزارع ونستأثر بالأراضي عبر عملية الجمع فالأحوط الوصول إلى السلطة فالكرسي هو الذي يعطيني صلاحية أن أستأثر بالأراضي وأن أدفن ما شئت وأن أحوّط من الأراضي ما شئت وأصبحت هذه طريقة البشر إلى ربما القرن التاسع عشر. ومع مطلع القرن العشرين بدأت الناس تتوجه إلى أن الأولوية يجب أن تكون للمعرفة
العدد 1281 - الخميس 09 مارس 2006م الموافق 08 صفر 1427هـ