المشاركة في صنع القرار السياسي أمر لابد منه، واستدعاء العقول المفكرة واستثمارها أمر مطلوب كذلك، لأننا بذلك نصل إلى الرأي السليم، كما ونحفظ المجتمع من الهزات و«الرضوض» السياسية التي تنتج عن الانفراد والاستقلال بالرأي الخاص، فالمشاركة في الحوار أمر تمليه علينا الفطرة الإنسانية، وهو مبدأ إنساني واجتماعي وأخلاقي كونه قاعدة متينة تحفظ الأمن والانفلات العقلي، لذلك يكون إبعاد العقول وإقصاؤها من الجنسين هو مصادرة للحقوق الفكرية، والنأي بها عن الخوض في غمار المعرفة والمشاركة.
لذلك عملت الدولة على المشاركة الشعبية ودعوة عناصر المجتمع. وكان للمرأة نصيب في هذه المشاركة، ولكن مشاركتها مربوطة بالمعرفة الخاصة والتواصل الدائم والحظوة والمكانة، هذا إن استمر الأمر على ذلك فيعني أننا أقصينا وحكمنا على عقول المواطنات من ذوي الثقافة وحملة الشهادات بالتجميد والتبريد وتعطيل قدراتهم وإمكاناتهم السياسية، وكأننا لم نشارك المرأة بل ظلت على ما هي عليه من الركون في زوايا المجتمع وحكرها وقهرها.
إن اختيار المرأة على أساس معرفي وصداقة قديمة، أو لأنها تبوأت منصباً إدارياً سابقاً وفشلت، ثم بعد ذلك تحال على التقاعد ويقذف بها من مكان إلى آخر من دون أن تقدم شيئاً، أو تضيف فكراً، أو تقدم مشروعاً أو مطالبات فهذا أمر ننكره، ونطالب بإزالته بشدة ومن دون تأخر أو تلكؤ. فحاجات الناس كثيرة، ومطالبهم تتوالى وتتكرر، وقضايا حياتهم غير متناهية بل هي في ازدياد وتكاثر. فلابد من الوقوف على مشكلات هؤلاء، ومعرفة احتياجاتهم، فهل قام من مثل المرأة بفعل، أم أننا نجد عندهم العدو والفرار بل والغدر.
إن من تمثل المرأة لابد أن تسعى لحقوق المرأة، وأن تعيش حياة المرأة وتتغلغل في داخلها، وتشعر بشعورها، وتحس بإحساسها، ومن لعب بهم الدهر، وتقاذفتهم أمواج الغدر، ورياح الخيانة، لا أن تتكسب من وراء وظيفتها، وتجمع الأموال وتنميها وتغلق يدها من أن تمتد للنساء المحتاجات منهن، وكأن مسئوليتهن هي إلقاء كلمات مبتورة على مقعدها التشريعي من دون أن يكون لها صدى أو شعور، ومن دون أن تحاكي القلب والنفس.
لا أعرف ولا أجد مبرراً من أن تعين امرأة في مكان تشريعي ثم لا تكمل مدتها لظروف تشريعية، فتعين في مكان آخر ثم بعد ذلك حين يعاد المكان التشريعي إلى مكانه تعين كبديل لآخر لتجبر النقص. وكأنه لا يوجد عقل نسائي غيرها. لا أعلم هل لأن خالها في هذا المكان المرموق أم عمها؟ أم أنها تمتلك عقلاً جباراً قادراً على حل مشكلات المجتمع في سويعات؟ لا نعلم إلا أنها تقف على الأبواب لملء جيوبها وخزانتها بالأموال، وترديد كلمات مألوفة مملة. إن بروز هذه المرأة في هذا الصرح أو ذاك - من دون أن يكون لها تحرك أو مساع حميدة - هو تقصير في حق النساء ومصادرة لعقولهن.
إننا نؤكد للجهات الرسمية ومراكز القرار في هذا الوطن أن هذا المجتمع مليء بالنساء ذوات الكفاءة، والقادرات على إشغال وتولي هذه المناصب بمسئولية وأمانة وهمة.
ناهيك عن أن من الصعب أن تمثل المرأة من بلغت من الكبر عتياً، وتقلد الفتيات الصغيرات في لبسهن ومشيتهن، لم تشبع من زمن الشباب كما لم تشبع من المناصب وجمع المال، كان من المفترض أن تقر في بيتها لتربية أحفادها، وتترك المجال السياسي للعناصر الشابة المتوقدة التي تنظر إلى المستقبل بأمل أوسع وأرحب، الذين يريدون أن يعيشوا حاضرهم ويرسموا مستقبلهم، ولا يريدون رسم سياستهم ومستقبلهم من بقايا العصور الماضية، ويرون أن هذا العمل النسائي يجب ألا يخرج عن دائرة تفكيرهم وميادين سلطانهم وأن يحتلوا الصفوف الأولى والتمركز في هذه الأماكن وكأنها محفوظة لها منذ طفولتها.
إن المرأة التي تحمل فكراً قديماً ونزعة تدميرية للبنية الجديدة المدافعة عن المرأة في مجتمعنا البحريني، وإشراكها في المجالس يعد جريمة في حق المرأة الواعدة التي تنظر إلى المستقبل بنظرة أمل وإصلاح. لا نريد أن نعود إلى القرون الوسطى، ولا أن نمزج الفكر القديم في صنع القرار السياسي.
إن الأمر قد حان لوقف نزيف الطمع، وتضميد جراحات ترقي عتبات الوصول. ووصف الدواء الصحيح للداء المستشري في مجتمعنا لكي نكون سالمين من أية أمراض جديدة تفتك بمجتمعنا، وليس ذلك بغريب أو بعيد، فمرض انفلونزا الطيور جاء نتيجة عدم الوقاية الصحية، فطالما أن بلدنا - ولله الحمد - خال من هذا المرض فلا نريد أن نصاب بمرض انفلونزا المناصب، وبالتالي لا نجد من المؤهلين من يمسك بزمام الأمر لأن المناصب الموجودة مريضة بانفلونزا الطيور
العدد 1280 - الأربعاء 08 مارس 2006م الموافق 07 صفر 1427هـ