بعد أن ترنح العراق خلال الأسبوعين الماضيين على شفا حرب أهلية استطاع بقدرة قادر وبفضل حكمة المرجعيات الدينية من تجاوز فتنة واسعة النطاق. بيد أن العراقيين مازالوا قلقين للغاية جراء نشوب أزمة أخرى تمثلت في رئاسة الحكومة الجديدة التي كانت افرازاً طبيعياً للأزمة الأولى (الناتجة عن تفجير مرقد الإمامين في سامراء والهجمات على المساجد)، كما أن للمصالح الشخصية والاثنية يداً طولى في إحداث الأزمة السياسية الحالية والتي يطالب فيها الأكراد والعرب السنة باستبعاد إبراهيم الجعفري عن تشكيل الوزارة المرتقبة. وبالطبع لا نستبعد هنا تأثير الضغوط والمصالح الأميركية من أجل تشكيل حكومة ائتلافية بدعم من جميع الأحزاب المتشاكسة والمشاركة في البرلمان، الأمر الذي يتطلب مزيداً من ضياع الوقت في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد.

وبالنسبة للعراقيين العاديين والمستقلين الذين ضاعوا في خضم خلافات تشكيل الحكومة، لم يعد الامر يتعلق بما إذا كانت هذه الحكومة الائتلافية ستتمكن من البقاء لمدة أربع سنوات حتى حلول موعد الانتخابات المقبلة قدر ما يتعلق بما إذا كانت الدولة نفسها ككيان ستصمد في هذه الفترة. بمعنى أن العراقيين بحاجة لمعرفة ما إذا كانت دولتهم ستتماسك لأربعة أعوام مقبلة قبل أن يقلقوا على ما إذا كانت حكومة الجعفري أو غيره ستنجح في هذه الفترة. قد لا يكون هناك دولة بحدود العراق الحالي بحلول الأربع سنوات... وقد تكون هناك دويلات صغيرة... وهذا واضح من الانقسام الفعلي الذي تجلى الأسبوع الماضي عندما هدد الجنوب بقطع النفط عن الشمال، وأبدى الشمال استعداده للقبول بالخطوة طالما كركوك «كردية» في جميع الأحوال.

أما الأقلية السنية المتمركزة في الوسط الصحراوي فربما ظلت مكتوفة الأيدي بعد أن فشلت بفارق ضئيل العام الماضي في وقف إقرار الدستور الذي يوفر قدرا كبيرا من الحكم الذاتي الإقليمي داخل دولة فيدرالية. لكن آلية عمل هذه الفيدرالية لم تحدد بعد وهي مهمة رئيسية تواجه البرلمان الجديد ونقاش طويل (تتخلله أعمال عنف دامية) قد يصل إلى حد تحديد مدى قدرة العراق على البقاء