العدد 1280 - الأربعاء 08 مارس 2006م الموافق 07 صفر 1427هـ

خطوات تصعيدية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التصريحات المتشددة التي بدأت تصدر تباعاً عن المسئولين الأميركيين بشأن تخصيب اليورانيوم في إيران تكشف عن التوجهات الحقيقية لإدارة واشنطن. فهذه التصريحات تعتبر خطوة تصعيدية قياساً بتلك التي صدرت سابقاً تعليقاً على الموضوع نفسه.

التصريحات السابقة كانت ملغومة وغير واضحة وتضع أكثر من اعتبار في حساباتها. فهي مثلاً كانت تستبعد الخيار العسكري وأحياناً كانت تضع هذا الخيار كآخر الحلول. الآن تبدو الأمور أوضح. وبات الخيار العسكري من الحلول المطروحة بقوة على جدول الأعمال.

في السابق كانت التصريحات تتذرع بوجود مخاوف دولية من نمو قدرات إيران النووية. وأحياناً كانت واشنطن تتظاهر وكأنها غير معنية بالموضوع واهتمامها يعود إلى ضغوط من الأصدقاء (إسرائيل) أو من الجيران (دول الخليج) أو من مخاوف أوروبية. الآن أخذت تتجه التصريحات إلى التأكيد على وجود مصلحة أميركية في منع إيران من إنتاج الطاقة النووية السلمية وغير السلمية. فأميركا بدأت تشير إلى وجود مخاوف تتصل بمصالحها وسياستها الدولية. بوش مثلاً اتهم إيران بأنها الدولة الأولى التي ترعى الإرهاب. وتشيني أوضح أن واشنطن لن تسمح لطهران بامتلاك قنبلة نووية. ورامسفيلد ذكر أن إيران تتدخل بشئون العراق وترسل قوات من «الحرس الثوري» لزعزعة أمنه واستقراره... وهكذا.

حاصل مجموع التصريحات يستهدف محاصرة إيران لأسباب مختلفة. والشماعة التي تستخدمها أميركا هي احتمال نجاح إيران في تطوير برنامجها النووي وتوصلها خلال فترة خمس سنوات إلى إنتاج طاقة تستخدم في صناعة قنبلة.

شماعة القنبلة النووية تشكل المدخل السياسي لممارسة الضغط الدولي على إيران تمهيداً لمحاصرتها وتفكيك برنامجها وإعادته إلى مرتبة أدنى مما هو عليه الآن. فالضغط الآن لم يعد يستهدف وقف البرنامج أو تجميده أو نقله كما كانت تلمح التصريحات السابقة، بل تطور الضغط إلى مستوى أعلى وباتت الولايات المتحدة تطالب بتفكيكه.

ذريعة الغرب (العنصري في ثقافة التعامل مع العرب والمسلمين) واهية وتقوم على مجموعة أكاذيب مختلقة إلا أنها الآن باتت على قاب قوسين من التمتع بغطاء الشرعية الدولية. وهذا الغطاء تحتاجه الولايات المتحدة للإعلان عن خطتها الحقيقية. فالتدويل هو هدف أميركي خططت له واشنطن منذ فترة تزيد على ستة أشهر وبنت عليه سياسة الضغط والإكراه والإقناع والإغراء لغلق المنافذ أمام طهران ومنعها من التوصل مع الصين وروسيا إلى اتفاق متوازن يؤكد حقها في إنتاج طاقة سلمية ولا يعطل عليها إمكانات تطوير مختبراتها البحثية المستقلة.

مطالب إيران المحقة باتت الآن في زاوية أكثر صعوبة، بعد أن تبين أن موسكو تملك تصورات لا تنسجم كثيراً مع طموحات إيران. فطهران وافقت على نقل جزء من التخصيب إلى أراضي روسيا ولكنها تمسكت بحقها في تطوير بحوثها المختبرية. وهذا لم تتحمس له موسكو كما ظهر من تصريحات وزير الخارجية الروسي الأخيرة.

المسألة إذاً باتت واضحة والسيناريو لم يعد بحاجة إلى كثير من العناء لكشف نهاياته السلبية. وهذا ما يمكن التقاط إشاراته من تلك التصريحات الأميركية المتشددة التي صعدت من لهجتها وحددت تقريباً خياراتها. فالتصريحات ربطت الملف النووي بالموضوع الإرهابي. ثم أعادت ربط إيران بالموضوع العراقي. والمجموع العام لكل هذه الخطوات التصعيدية يؤدي إلى معادلة واضحة في حساباتها وأرقامها.

«ممنوع على إيران أن تنتج قنبلة نووية». هذه الفقرة قالها بوش ثم نائبه تشيني. وهي تعني في النهاية أن أميركا مستعدة لخوض معركتها الخاصة لتحقيق هذه الغاية. وحتى تتحقق هذه الغاية لابد من الضغط على الوكالة والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية لنقل الملف إلى مجلس الأمن. وحين يصل الملف إلى ذاك المستوى تصبح إيران في مواجهة مع «المجتمع الدولي». أي أن اعتراض إيران يصبح مشكلة دولية ويضعها في موقع ضعيف لأنه يخالف إرادة الدول وليس الإرادة الأميركية - الإسرائيلية كما هو الحال حتى الآن.

منع تدويل الملف النووي مسألة مهمة لا تستحق الإهمال والاستخفاف أو المراهنة على معلومات أو حسابات أو تحليلات ليست دقيقة في قراءة الموازين والمشروع الأميركي لتقويض منطقة «الشرق الأوسط». وأمام إيران فرصة جاءت في بيان الاتحاد الأوروبي أمس، وهي تخير بين وقف البرنامج أو نقل الملف إلى مجلس الأمن. وهذه الفرصة مهلة من الوقت يمكن استخدامها لقلب الطاولة وتحقيق مفاجأة وتعطيل الخطة الأميركية - الإسرائيلية لتوريط مجلس الأمن وافتعال مواجهة تتذرع بها واشنطن لاتخاذ خطوة تصعيدية جديدة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1280 - الأربعاء 08 مارس 2006م الموافق 07 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً