ناقشنا أمس ايجابيات إبرام اتفاق للتجارة الحرة مع أميركا، بينما يركز مقال اليوم على بعض السلبيات. تتمثل هذه السلبيات في:
1- السماح للشركات الأميركية بدخول السوق البحرينية.
2- التقليل من شأن التكامل الاقتصادي الخليجي.
3- إنهاء المقاطعة التجارية مع «إسرائيل».
أولاً:
دخول الشركات الأميركية العملاقة إلى البحرين: يمنح الاتفاق الشركات الأميركية العملاقة حرية المنافسة في الاقتصاد البحريني الصغير نسبياً. على سبيل المثال فاق صافي أرباح شركة «جنرال إليكتريك» عن 16 مليار دولار في العام 2005 مقارنة بأقل من 10 مليارات دولار قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبحرين. وبحسب بنود الاتفاق المبرم بين الطرفين والمصدق عليه من قبل البرلمان البحريني، سيحصل الطرف الأميركي على المعاملة الوطنية للمنافسة في المشتريات الحكومية البحرينية. كما سيتم منح مبدأ المعاملة الوطنية للمواطنين الطبيعيين والاعتباريين الأميركيين فيما يخص قطاع الخدمات.
ثانياً:
النيل من مشروع التكامل الاقتصادي الخليجي: الخطوة التي أقدمت عليها البحرين بالدخول في اتفاق للتجارة الحرة مع أميركا ساهمت في الإضرار بمشروع تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي وتحديداً صدقية مبدأ الاتحاد الجمركي. فالاتفاق يتناقض مع التزام البحرين بمبدأ توحيد التجارة الخارجية مع الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي كما هو منصوص عليه في المعاهدات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون. الجدير ذكره أن مشروع الاتحاد الجمركي دخل حيز التنفيذ في بداية العام 2003، إذ يفرض رسوماً جمركية قدرها 5 في المئة على واردات الدول غير الأعضاء. إلا أنه بموجب اتفاق التجارة الحرة، سيكون بمقدور 100 في المئة من السلع الصناعية والاستهلاكية فضلاً عن 81 في المئة من المنتجات الزراعية الأميركية دخول السوق البحرينية معفاة من الرسوم حال تنفيذ الاتفاق.
ولاحظنا كيف أن المملكة العربية السعودية أبدت امتعاضها من الاتفاق بدليل عدم مشاركة ولي العهد السعودي آنذاك (وخادم الحرمين الشريفين في الوقت الحاضر) في أعمال قمة مجلس التعاون التي عقدت في المنامة في نهاية العام 2004. لكن لابد من الانتباه إلى أن دولاً أخرى أعضاء في مجلس التعاون كانت قد أقدمت على مفاوضات لغرض إبرام اتفاقات للتجارة الحرة مع بعض الدول الأخرى (مثل الإمارات مع أستراليا وقطر مع سنغافورة).
يبقى التأكيد على نجاح السعودية في الاستفادة من ورقة البحرين للحصول على دعم أميركا لطلبها الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. فالسعودية قبضت ثمن سكوتها في نهاية المطاف عن قيام البحرين بإبرام اتفاق للتجارة الحرة مع أميركا. ولاحظنا أن السعودية حصلت على دعم الولايات المتحدة لطلبها بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية وهذا ما حدث فعلاً. حقيقة يمكن القول ان اتفاق التجارة بين أميركا والبحرين خدم الشقيقة الكبرى.
ثالثاً:
إنهاء المقاطعة التجارية للسلع الإسرائيلية: أقدمت السلطات عندنا على إنهاء المقاطعة التجارية للسلع الإسرائيلية في خطوة كان يراد منها تحسين فرص تصديق المشرعين الأميركيين على اتفاق التجارة الحرة. وهذا ما حدث فعلاً إذ أنهت البحرين المقاطعة التجارية مع «إسرائيل» قبل أسابيع من التصويت الايجابي في الكونغرس. وبدورنا نعتقد أن الحكومة البحرينية لم تكن على علم بطلب الكونغرس ولكن حدثت المفاجأة نتيجة نجاح جماعات الضغط المؤيدة لـ «إسرائيل» في طلب ذلك من أصدقائها في الكونغرس، وما أكثرهم. ويبدو أن حكومتنا قررت الاستماع إلى نصائح مستشاريها في العاصمة الأميركية بضرورة اتخاذ مثل خطوة إنهاء المقاطعة التجارية (وليس بالضرورة بدء التعامل معها). وعلينا أن نعي أن اللوبي المؤيد لـ «إسرائيل» يعرف كيف يعمل في أوساط المشرعين في واشنطن.
في المحصلة يمكن الإدعاء بأن ايجابيات مشروع إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع أميركا أكثر بكثير من سلبياته. وعليه نحن نرى أنه من الصواب الضغط على أعضاء البرلمان بالتصويت بنعم للقانون المقترح والمتعلق بحماية الملكية الفكرية. المعروف أن توافر قانون يحمي كل ما يتعلق بالملكية الفكرية بما فيه تحديد جزاءات وغرامات للمخالفين هو شرط أميركي لدخول الاتفاق حيز التنفيذ. وتفيد آخر التقارير الصحافية بأن الحكومة قد أرسلت حزمة القوانين التي تحمل اسم «حقوق المؤلف والحقوق المجاورة» إلى البرلمان، على أن يبدأ الأعضاء النقاش بشأن الموضوع في وقت لاحق. وتوقع أن يدخل الاتفاق إلى حيز التنفيذ في الأول من شهر يوليو/ تموز المقبل. أملنا كبير في أن يكون أعضاء البرلمان عند حسن ظن ناخبيهم وأن يصوتوا لصالح القوانين التي تحمي حقوق الملكية الفكرية، وفي ذلك مصلحة العباد والبلاد.
ختاماً تستحق إدارة الرئيس جورج بوش الثناء لتأييدها مشروع اتفاق التجارة الحرة مع البحرين. باختصار الاتفاق بمثابة هدية من الولايات المتحدة للشعب البحريني.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1280 - الأربعاء 08 مارس 2006م الموافق 07 صفر 1427هـ