يتفق كل المفكرين وعلماء الاجتماع أن أي مجتمع لا يمكن أن يتطور إذا لم يعمل على تطوير ثقافته. الثقافة عنصر أساسي لتغيير نمط التفكير ومن ثم حياة الإنسان.
طبعاً هناك عدة آليات يجب أن ينتهجها الإنسان كي يزيل كل مواد الكلسترول العصابية المتكدسة على مفاصل وعيه. منها الاعتداد بالذات ووهم احتكار الحقيقة المطلقة، والنظرة الفوقية الاستعلائية لكل آخر من مذاهب وأعراق وديانات وكيانات. ثانياً: مراجعة الذات، والقسوة في محاكمة الافكار. ثالثاً: الانفتاح على الحضارات الأخرى والاستفادة من المنتوج البشري، والبحث عن موضوعات الاضاءة في الآخرين ومكامن القوة والنجاح.
ورابعاً: العمل على تغيير الذات. أحياناً الإنسان يظن نفسه أنه رجل الحقيقة الأوحد وفي المجتمع الشرقي يتم تثبيت (الحقيقة) بعدة أمور غير علمية، احداها الصراخ وقوة الحناجر، والانفعال في طرح الخطب أو الكلمة وضرب المنصة أو الطاولة مع إبراز النواجذ، كما كان يفعل أبطال التسلط مثل هتلر وصدام. وثانياً: الهيبة المصطنعة والمكتسبة كما يحلو أن يسميها غوستاف لوبون، التي عادة تأتي بسبب النسب أو عراقية القبيلة أو المال أو كثرة الشيب أو جمال الوجه إلخ. والحماس والصراخ وتقطيب الوجه ليس دليلا على الحقيقة أو صحة ما يطرح. أتذكر هتلر في فيلم (داون فل) دائماً ما يستعين بضرب الطاولة وغريزة الصراخ، إذ لغة الجسد حاضرة في كل انفعالاته ليثبت صحة آرائه. وهو أسلوب يلتجئ إليه الضعفاء في إثبات نظريتهم بعيدا عن منطق العلم والاقناع والمعرفة وهو أسلوب من الأساليب السيكولوجية التي يعتمدها عادة الأبطال الوهميون الذين يصنعهم المجتمع الرعوي على حد تعبير الوردي.
ان أعدى اعداء الحياة الجمود والانغلاق على النفس وسجن الدماغ في زنزانة التأدلج. أكثر عالم تتكدس فيه ثلاجات العقول هو العالم العربي. كل مثقف أو داعية يمتلك عشرات الثلاجات يخزن فيها العقول ثم يقوم بشويها عند أي منعطف سياسي يهدد بطركيته وسلطته. وهذا يأتي بسبب انتشار ظواهر التوثين السياسي وتسلط النمط الفردي الأحادي وعند صراع قيم الحضارة والبداوة تماماً كما هو حال العصر الكنسي في القرون الوسطى في الغرب. ماكنة الإعلام تعمل والجهل ينشر فيروساته.
السيثي لابن ملجم، (قارئ ومعلم القرآن لأطفال الكوفة) كان ينظر الى الإمام على (ع) قائلاً: «لاتصلح الحياة الا بقتل هذا». بكل بساطة اختزل كل أوضاع العالم في ذلك العصر بتناقضاته وتوازناته بان حله في قتل الإمام علي. وفعلاً اختار ليلة القدر لقتله بالسكينة الشرعية إمعاناً في الثواب. وعندما وصل خبر قتل علي في المحراب إلى الشام التفت رجل شامي (واقع تحت تأثير غسيل مخ حزبي مؤدلج بسبب الدعاية) إلى صاحبه متعجباؤ وهو يقول: «أوكان علي يصلي؟». إلى اليوم هناك بشر مثل القطيع - ولا تخلو أمة منهم - تحتاج إلى أن تثبت لها أبده البدهيات. يحتاج الى أن تثبت له وجود العالم. عندما تسمع خطابه في التحليل تعتقد أنه يعيش في عالم آخر. حتى التعاطي مع النصوص يوجد فيها تعسف وتجزأ، بل واسقاط دون مراعاة للخصوصية التاريخية في بعضها. يقول هويدي في كتابه «التدين المنقوص» (ص 122): «بعض شباب الجزائر قرروا بناء مسجد في العاصمة فاستقدموا ناقة وتتبعوها حتى يحددوا مكان المسجد في الموقع الذي تقف فيه الناقة، وهو الأسلوب الذي اتبع في مسجد قباء بالمدينة عندما هاجر الرسول (ص) اليها قادما من مكة». هؤلاء الشباب لم يأخذوا من الرسول إلا إطلاق الناقة لتحدد المسجد!
العالم العربي بحاجة الى ثورة ثقافية تصحيحية ناقدة ومسائلة ومراجعة وفاحصة لبعض ما تكدس من شحوم على مفاصل الوعي. يقول افلاطون: نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون اذا لم نرد أن نفكر وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر. فلنفكر في يقينياتنا السياسية والاجتماعية وبعض العادات الخاطئة. أنا لا أتكلم في الثوابت العقائدية وانما في السلوكيات وأنماط وانساق الثقافة التي طرأت علينا وليست من الإسلام في شئ. تغيير نمط التفكير وفتح نوافذه كفيل بتغيير كثيراً من وضع الإنسان الثقافي والسياسي والمجتمعي
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1279 - الثلثاء 07 مارس 2006م الموافق 06 صفر 1427هـ