الكل تقريباً يطالب حركة «حماس» بالاعتراف بـ «إسرائيل» مضافاً إليه ضبط النفس، نبذ العنف، التوقف عن خوض الأعمال الحربية، وتسليم الأسلحة، إلى آخر الأمور التي باتت معروفة. الاتحاد الأوروبي مثلاً طالب «حماس» بالاعتراف بـ «إسرائيل» وغيرها من نقاط شرطاً لإعادة المساعدات. الولايات المتحدة أيضاً وجهت إلى «حماس» الطلبات نفسها وأضافت إليها سلسلة تهديدات وإنذارات. الرئيس الفرنسي بدوره لم يتردد في تلاوة الطلبات نفسها واضعاً الاعتراف بـ «إسرائيل» على رأس الأولويات. حتى روسيا الاتحادية لم تقصر في تقديم تلك الطلبات على طاولة المفاوضات التي جرت بين وفد «حماس» والمسئولين على مستوى الرئاسة والخارجية الروسية.
الكل تقريباً يتحدث اللغة نفسها ويكرر تلك الشروط التي أطلقتها حكومة تل أبيب فور سماعها بفوز «حماس» في الانتخابات البرلمانية. ولم تتوقف «إسرائيل» عند حدود سياسة الأوامر والتلقين وانما كررت بأن عدوانها على الأراضي الفلسطينية لن يتوقف وان سياسة القتل والمطاردة التي اعتمدتها ستتطور باتجاه المزيد من الاغتيالات.
قالت «إسرائيل» أقوالها وأردفتها بسلسلة هجمات واجتياحات لمخيمات وقرى ونفذت اغتيالات طاولت ناشطين في المقاومة الفلسطينية. وأرفقت حكومة تل أبيب ممارساتها بسلسلة انذارات وجهها رئيسها بالوكالة ايهود أولمرت إلى قادة «حماس» بمن فيهم أولئك الذين انتخبوا للمجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية.
كل هذا حصل ويحصل بتغطية إعلامية وسياسية واسعة وشاملة من دون أن يلحظ زعماء أوروبا والولايات المتحدة أن المسألة الفلسطينية لم تختلقها «حماس». وأن تلك المشكلة قائمة منذ أكثر من 60 عاماً ودولة «إسرائيل» هي الطرف المسئول مباشرة عن تلك المواجهات والتوترات. كذلك فإن «إسرائيل» تمثل الجانب المسئول قانونياً وأمام الشرعية الدولية الذي عمد إلى تخليق تلك المشكلة وتعطيل كل الحلول والقرارات التي وضعت بشأنها.
هذا التمييز السياسي بين الطرفين يشكل نوعاً من التفرقة العنصرية التي يبدو أنها لم تضمحل بزوال الحكومات الفاشية والنازية في أوروبا. فالحكومات سقطت في نهاية الحرب العالمية الثانية لكن عقلية التعصب العرقي وعنصرية التفوق الثقافي استمرت في مسام المجتمعات والدول تمارس فعلها وتضغط على القرارات وصناع السياسة. هذا الموقف من الشعب الفلسطيني، واستتباعاً حماس، ليس موقفاً سياسياً فقط وانما هو في جوهره يعكس تلك الثقافة التي طبعتها النازية (الفاشية) بالمواقف اللاإنسانية واللاخلقية. فهذه المواقف المتشنجة والمتسرعة واللاعقلانية يصعب فهمها في سياق سياسي. فالسياسة كما ظهرت في نسقها العام تعكس ذاك التمييز العنصري الذي يعتمد على التفرقة العرقية ويميل إلى تأييد القوي الظالم على حساب الضعيف المظلوم.
الكل تقريباً طالب «حماس» بهذا وذاك وكيت وكات. ولم يتحرك هذا الكل أو جزء منه لمطالبة «إسرائيل» أيضاً بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وتنفيذ القرارات الدولية وتلك الاتفاقات الثنائية والثلاثية التي وقعها ياسر عرفات ومحمود عباس (أبومازن) مع الحكومات الإسرائيلية باشراف دولي ورعاية أميركية.
«إسرائيل» كما يبدو غير مطالبة بشيء وكأن المشكلة الفلسطينية ولدت أمس أو حين أعلن فوز «حماس» بالانتخابات. فبعد هذا الحدث وضعت العراقيل والعقبات في مكان واحد وعند جهة واحدة وكأن هذا «الكل» كان ينتظر الإعلان للتنصل من مسئولياته والتزاماته والانسحاب من الساحة تاركاً القرار لحكومة تل أبيب تتصرف وفق كيفيات تناسب خططها ومصالحها. «إسرائيل» بدورها وجدت في مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض زعماء العالم غطاء لإعلان البراءة ومناسبة للانسحاب من كل المسئوليات والالتزامات. فتلك التصريحات العنصرية والمواقف السياسية المتشنجة شجعت «إسرائيل» على المضي في سياستها التوسعية والاستيطانية وأعطتها ذرائع شتى لخوض حرب التصفيات التي تستهدف الناشطين الفلسطينيين تحت بند عدم اعتراف «حماس» بالاحتلال والاقتلاع والحصار والتجويع وغيرها من وسائل ليست بعيدة عن فضاءات الثقافة النازية (الفاشية).
الكل طالب «حماس» وحاكمها على النيات. وهذا في السياسة مسألة مشروعة إلا أنه حين تقتصر مطالبة الكل على طرف واحد وتتناسى مسئوليات الطرف الآخر في تأزيم المشكلة وتقويض أسسها القانونية والشرعية تصبح السياسة معاقبة ومجرد نفاق تعطي فرصة للمعتدي أن يرفع من نسبة عدوانه... في وقت تطالب الضحية بتقديم ما ليس عندها وتجاهل ما هو عند غيرها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1279 - الثلثاء 07 مارس 2006م الموافق 06 صفر 1427هـ