منذ انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والانظار تتجه لمعرفة نوعية السياسات التي ستتبعها إيران بشأن عدد من الملفات الداخلية والخارجية، وجاء الملف النووي ليغطي على كثير من الأمور والسؤال الذي يتردد هو عن الانحياز نحو الخطاب الايديولوجي مقابل الطرح البراغماتي، وكانت هناك الكثير من التحليلات في عهد سيدمحمد خاتمي الذي رأس إيران لثماني سنوات حتى العام الماضي على أساس أن الحكم كان يتداول بين جناحين، احدهما إصلاحي يعتمد البراغماتية، وآخر محافظ يلتزم بالايديولوجية.
في عهد خاتمي كانت الفئات المحسوبة على الاتجاه الإصلاحي تتخبط في أطروحاتها، بينما كانت الفئات المحسوبة على الاتجاه المحافظ تنظم نفسها وتعزز إمكاناتها إلى أن استطاعت الامساك بكل مراكز القوى في الدولة مع وصول أحمدي نجاد إلى الرئاسة.
في عهد خاتمي، كان المحافظون يتصيدون على الإصلاحيين أية محاولات للتقرب من أميركا أو التحرك نحو سياسات تشبه تلك التي قام بها الرئيس السوفياتي غورباتشوف، وكان من السهل ضرب رموز الجناح الإصلاحي في الحكم بمجرد أن تخرج منه كلمة تشير إلى أنه قد يتخلى عن المبادئ والخطاب الايديولوجي المسيطر في إيران. الأوروبيون كانوا يأملون في فتح قنوات كثيرة مع الإيرانيين، والأميركان أيضاً سعوا في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون إلى عدم تطبيق قانون مقاطعة إيران (داماتو) بشكل صارم، إذ كان يتطلب من الأميركان مقاطعة الشركات العالمية الكبرى التي تتعامل مع إيران. وكانت الإدارة الأميركية في عهد كلينتون طلبت في العام 1999 معلومات من الإيرانيين بشأن حادث تفجير الظهران في 1996 التي اتهمت فيه عناصر شيعية سعودية محسوبة على إيران لأن تنظيم القاعدة لم يكن معروفا بعد في تلك الفترة... والأميركان اكتشفوا بعد سنوات كثيرة أن إيران لم تكن لها علاقة، وكانت تلك واحدة من الفرص لتحسين العلاقات... لكن الوضع الداخلي في إيران ورفع الشعارات المدوية ضد أميركا حد من ذلك، على رغم أن الكثير من المسئولين الإيرانيين كان يرغب في ذلك.
حالياً، فإن الوضع يختلف تماماً، فليس هناك إصلاحي ومحافظ، وانما هناك خطاب واحد في إيران. وفي المقابل فإن الإدارة الأميركية يمسك بها المحافظون الجدد، وهؤلاء لديهم خطاب لا يقل ايديولوجية عن الخطاب الإيراني الماسك بمفاصل الحكم في إيران. ولعل أحد مظاهر الخطاب الايديولوجي الأميركي وما يقابله من خطاب ايديولوجي إيراني، هو النظر إلى الأمور بصورة «حتمية»... فالإيرانيون يقولون إن الأميركان «حتما» يعادون إيران ولا فائدة مرجوة منهم، والأميركان يقولون إن نوايا إيران «حتما» مشكوك فيها وليس من سبيل سوى تفريغ إيران من كل قدراتها الاستراتيجية.
المحافظون الجدد في أميركا لديهم سنتان أخريان في الحكم، وليس مسموحاً للرئيس جورج بوش أن يرشح نفسه للمرة الثالثة، وهذا يعني أنه لا يفكر في أية ضغوط انتخابية مقبلة، وانه سيقدم على خطوات أكثر ايديولوجية. وفي المقابل أيضاً، فإن الإيرانيين متوحدون حالياً في نهج وخطاب ايديولوجي واحد... والملف النووي حالياً أوضح مدى تنافر النهجين.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1278 - الإثنين 06 مارس 2006م الموافق 05 صفر 1427هـ