قد يتذكر القارئ حينما تحدثت عن الهوية في عصر العولمة ومدى أهمية الفن في تكوين الاقتصاد. من المؤلم أن نجد الدول المجاورة تقوم بتعزيز الثقافة والفن بينما نحن، «أرض الخلود» ومقصد اسطورة «جلجامش»، نقف متفرجين. فلا عجب بسروري عندما رأيت لافتات ربيع الثقافة تسود شوارع البحرين، فبين تلك اللافتات ولافتات سباق الجائزة الكبرى يمكننا أن نقول إن البحرين أخيراً بدأت تتسلم القيادة في إثبات حضورها الدولي ليس فقط في الجانب التجاري، بل أيضاً جانب السياحة الراقية، والتي تتضمن الفن بشتى أنواعه وأشكاله، وهذه مجرد خطوات أولية لتعزيز البحرين كمركز يستقطب الإبداع ويحترمه.
لكن ترى من هو المسئول عن تعزيز الفنون والثقافة؟ الجميع. أنت، وشركتك، والجهات الحكومية. كلكم لديكم المسئولية بأن تشجعوا المبادرات مثل ربيع الثقافة، من الذهاب إلى العروض القائمة إلى رعايتها، كل مشاركة تساعد في برهنة رغبة البحريني الواعي (والذي لا ينقصه البلد) لاقتصاد غير سطحي، بل اقتصاد منسوج من تلك القيم الإنسانية والأخلاقية التي لا يمكن لأي بلد يزعم التحضر أن ينساها.
اليوم، ومع كثرة السيولة في المنطقة، والانفتاح السياسي والاقتصادي، لدينا فرصة يجب ألا نفوتها. فرصة لتكوين المراكز، المؤسسات والبرامج التي تشجع الاستثمار في الإبداع وتطويره، وتحتضن أولئك الموهوبين البحرينيين وغير البحرينيين. فيمكن للبلد أن تتحول من مجرد نادٍ ليلي لزوار معينين أو نقطة توجيه الأموال، إلى مسقط رأس الثقافة في المنطقة.
هنالك من يقول إن الفن والثقافة وكل هذه الأمور غير مهمة للاقتصاد. لكن كيف يمكنهم قول هذا فما الفائدة من الازدهار الاقتصادي ورقي المعيشة إذا كل ما قمنا به في أوقات فراغنا هو الاستمتاع بالمنتوج الإبداعي المستورد من الكلمة المكتوبة إلى المعروضة، لماذا نعمل ونكسب الأموال لنشجع بها الثقافة الأجنبية فقط لا بأس، فكما قلت، علينا استقطاب الإبداع الأجنبي والبحريني، لكن في نهاية الأمر يجب أن نواصل في بناء قطاعنا الإبداعي. وهذا لن يحصل إلا إذا حققت المبادرات مثل ربيع الثقافة النجاح المطلوب لمواصلتها. فلا يقف عائقاً في طريق صيف الثقافة أو حتى المدينة الثقافية إلا عدم المشاركة، وإبراز مدى اهتمامك واهتمام مؤسستك في بناء مستقبل اقتصادي غير مجرد من الضمير الإنساني الذي هو قلب الفن و قلب البلد.
الكثير من الحضارات والدول ظهرت وبادت. الطين والزجاج يتحولان إلى رمال تأخذها الرياح إلى المجهول من دون عودة. أما تلك الكلمة التي تكتب، ترسم، تنقش، تمثل، أو تغني، فهي فكرة لا يمكنها أن تتلاشى أبداً. فلنجعل البحرين خالدة
العدد 1277 - الأحد 05 مارس 2006م الموافق 04 صفر 1427هـ