إن الغرب الذي خطط ونفذ تشريد الفلسطينيين من أرضهم منذ أكثر من نصف قرن لحساب إقامة «إسرائيل»، لايزال يكذب ويخادع وينافق من خلال الموفدين الذين يبيعون السلطة الفلسطينية كلاماً ويمنحون «إسرائيل» المواقف لاستكمال السيطرة على فلسطين كلها. ومن الخزي للعالمين العربي والإسلامي الانفتاح على العدو الصهيوني سياسياً واقتصادياً، أكثر مما ينفتح على الشعب الفلسطيني. فالأرصدة الضخمة التي يملكونها في المصارف الأميركية تتجمع لاستثمارات الشركات اليهودية، ولكنهم لا يدعمون الشعب الفلسطيني بالمساعدات... لأنهم يخافون من غضب أميركا التي تتجول وزيرة خارجيتها (في المنطقة) لمنع مساعدة حكومة حماس، وتحذر إيران من مساعدتها، في الوقت الذي يصرح بعض مسئولي الأمم المتحدة بأن غزة ستعيش الجوع الغذائي في وقت قريب.
وأميركا تمادت في الضغط القاسي على دول يفترض أنها صديقة لها، الأمر الذي جعلها تخوض حرباً على العالم كله باسم الحرب على الإرهاب. فعملت ولاتزال، على تدمير وحدة الشعب العراقي، وأثارت الخلافات المذهبية والإثنية العنيفة، وأفسحت المجال للموساد ليعبث بهذا البلد. فلابد للمسلمين أن يأخذوا بأسباب الوحدة، ليرتفعوا إلى مستوى العنفوان الإسلامي في الأخذ بعناصر القوة، ولاسيما في العراق الجريح الذي لايزال يغرق في بحور الدماء التي يراد لها أن تتحول الى حال من الفتنة المذهبية والعرقية، من خلال المجازر التكفيرية الحاقدة وحركة الفعل ورد الفعل، ومحاولة تهجير أهل المذهب الإسلامي الشيعي من المناطق المختلطة، كما حدث في بعض مناطق بغداد.
إننا نقول لإخواننا في العراق: أدركوا الموقف قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، لأن أميركا لم ترد للعراق خيراً منذ البداية، فالنظام الطاغي كان صناعة أميركية حتى إذا انتهى دوره عادت لتصنع نظاماً جديداً تحركه كيفما تشاء.
أما لبنان، فلايزال يعيش في المناخ الأميركي من خلال زيارة رايس التي جاءت لتشرف على خطتها في إدارة الفوضى السياسية فيه، الأمر الذي لايزال يثير الخوف والقلق في نفوس الشعب الذي يستعيد في ذكرياته أجواء الحرب من خلال أصوات التشنج والعنف الكلامي في السجالات، بأسلوب الإثارة والانفعال.
وإذا كان الواقع في لبنان يعيش في داخل أجواء مؤتمر الحوار، فإننا نأمل أن يرتفع الجميع إلى مستوى الوطن في مشكلاته الحقيقية في الاقتصاد المنهار، وفي الأمن القلق، وفي السقوط تحت تأثير التدخلات الخارجية. ونلاحظ أن عناوين الحوار ليست بأجمعها هي ما يفكر به اللبنانيون في تأسيس مستقبلهم، لاسيما إذا تذكروا كيف كان التاريخ الدامي في الحرب الماضية يتمثل في أكثر من رمز من رموز الحرب، ما يفرض على الجميع أن يأخذوا العبرة من الماضي.
والسؤال: أين الجيل الجديد الذي لم يتلوث بالسرقة والهدر والخيانة، ولم يدخل في لعبة القتل والتدمير والدماء البريئة؟ إننا نناشدهم جميعاً أن لا يسقطوا تحت تأثير الشعارات الغرائزية والأجواء الانفعالية، بل أن يخططوا للبنان الجديد على مستوى الصدق والأمانة والحب للوطن كله وللإنسان كله، من أجل نظام المواطنة لا الطائفة.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1277 - الأحد 05 مارس 2006م الموافق 04 صفر 1427هـ