يجتمع مجلس الحكام لوكالة الطاقة الذرية الدولية اليوم للنظر في تقرير المدير العام محمد البرادعي بشأن الملف النووي الايراني... والتقرير يبرئ ايران من الانحراف نحو النشاط العسكري، ولكنه أيضا يتحدث عن غموض ويطلب مزيداً من المعلومات. وعلى أساس ذلك فإن الدول الـ 35 ستتخذ قراراً بشأن إيران، والارجح هو الاستجابة للضغط الأميركي - الاوروبي الداعي إلى تحويل ملف ايران إلى مجلس الأمن الدولي. وفي هذه الحال فإن الملف سيكون في قبضة أميركا والاعضاء الدائمين في مجلس الأمن وسيتمكنون من اصدار قرارات «ملزمة» دولياً، وربما تكون أولى الخطوات فرض عقوبات ضمن ما يطلق عليه «بالمقاطعة الذكية»، أي فرض حصار استراتيجي مؤلم ضد نظام الحكم المستهدف.
زرت إيران الأسبوع الماضي مع الوفد الصحافي العربي، وذهبت إلى مفاعل بوشهر، وتحدثت مع عدد من المسئولين الايرانيين بشأن هذه الأزمة، التي يصر الايرانيون على وصفها بـ «المفتعلة»... وفي أحد الحوارات قلت لأحد المرافقين العاملين في وزارة الخارجية الايرانية «لماذا لا تستجيبون إلى كل ما تطلبه منكم الترويكا الأوروبية وتقطعون الطريق على أميركا لكي لا يتحول الملف إلى مجلس الأمن؟».
جوابه كان ان الايرانيين «مقتنعون» بأن أميركا لن تتركهم أبداً إلا اذا تحول النظام في ايران إلى «تابع» كما كان أيام الشاه، أو التنازل عن المبادئ الثابتة لنظام الجمهورية الإسلامية، وعند ذلك فإن أميركا ستفعل ما فعلته أيام الشاه، وهو المشاركة في بناء المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة وانهاء كل إجراءاتها التي اتخذتها ضد إيران منذ العام 1979. وأضاف ان الاوروبيين «يجرون» خلف أميركا حالياً، وبالتالي فإن «ايران تستعد بطول نفس إلى ما سينتج عن اجتماعات الوكالة الدولية، وستتعامل مع المستجدات خطوة خطوة». المشكلة إذاً أعمق بكثير مما هو مطروح في التصريحات الرسمية، وربما انه «استحقاق» بين نظام يرفض ان يدخل تحت «السيادة الاميركية»، بحسب تعبير المسئولين الايرانيين، وبين «ارادة دولية» تقودها القوى الكبرى المسيطرة على المؤسسات الدولية في عالم اليوم.
هناك استفسارات كثيرة طرحت أثناء زيارة إيران الأسبوع الماضي، ومن تلك الأسئلة فيما اذا كانت تصريحات الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد ساهمت بشكل أساسي في توحيد القوى الفاعلة دولياً ضد إيران... إلا أن الجواب من المسئولين الايرانيين يختلف عن ما توقعته. فهم يشيرون إلى ان الرئيس السابق سيدمحمد خاتمي كان يتجه نحو التقارب مع الغرب، بل ان ايران ساعدت بشكل مباشر «تحالف الشمال» في افغانستان، الذي كان متحالفاً مع الأميركان بهدف اسقاط نظام الطالبان، ولكن كانت هدية الرئيس الأميركي جورج بوش لخاتمي ان أعلن عن «محور للشر» يتضمن إيران... فماذا استفادت إيران من التصريحات «الحميمية» في فترة رئاسة خاتمي، لكي تتضرر من تصريحات أحمدي نجاد؟
الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة ربما توضح الزوايا المعقدة للملف النووي الإيراني، وهي زوايا ستزداد تعقيداً في الفترة المقبلة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1277 - الأحد 05 مارس 2006م الموافق 04 صفر 1427هـ