في الوقت الذي تستميت فيه الولايات المتحدة لمنع بعض دول العالم من امتلاك التكنولوجيا النووية حتى للأغراض السلمية، نجدها تغدق على دول أخرى بمكارمها النووية الفياضة. فبالأمس قطع الرئيس الأميركي جورج بوش المحيطات والفيافي لكي يوقع اتفاقاً نووياً وصف بالتاريخي مع الهند. يقضي الاتفاق برفع الحظر الذي تفرضه واشنطن منذ ثلاثة عقود على تزويد نيودلهي بالتكنولوجيا النووية المدنية. وذهبت أميركا إلى أبعد من ذلك لتعلن وزارة دفاعها (البنتاغون) بالتزامن مع الحدث أنها مستعدة لبيع الهند أحدث الطائرات الحربية المقاتلة من طراز «أف 16 وأف 18» في إطار زيادة التعاون العسكري بين البلدين.

وهذا كأن الرئيس الأميركي يريد أن يكافئ الهند التي لم توقع اتفاق عدم انتشار السلاح النووي وهي التي دخلت في سباق من هذا النوع مع جاراتها في تطوير أسلحة الدمار الشامل. كما أن الحرية التي تتمتع بها نيودلهي في منع إجراء أية عمليات تفتيش سواء مباغتة أو غير ذلك لأية مفاعلات نووية مستقبلية تناقض مزاعم الإدارة الأميركية بأن هذا الاتفاق يفيد الحد من الانتشار النووي. لقد باع البيت الأبيض بهذه الخطوة المبادئ والمواقف الأميركية السياسية المتعلقة بسياسة التسلح وخصوصاً النووي.

ويبدو أن للاتفاق النووي الأميركي الهندي أبعادا أخرى سياسية واقتصادية ذات علاقة بالمارد الصيني المجاور الذي أخذ يهيمن على كل شيء ويغزو العالم تجاريا وبالتالي سياسيا في المستقبل. فالصين تعتمد على مصادر طاقة مستوردة أقل مما تعتمد عليه الهند ولذلك تريد إدارة بوش تقوية الأخيرة اقتصاديا لتحد من نفوذ الصين. لكن الغريب في الأمر أنه على رغم أن المسئولين الهنود صرحوا بأن بلادهم وحدها هي التي ستقرر أية المفاعلات ستبقى ضمن تصنيف المنشآت العسكرية بحيث لا تطالها عمليات الرقابة، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تحرك ساكنا في هذا الخصوص ونجدها تضيق الخناق هذه الأيام على بعض الدول (إيران، كوريا الشمالية... إلخ) بشأن استخدامات الطاقة النووية باستثناء «إسرائيل» ومن دار في فلك الولايات المتحدة. وصدق الشاعر حين قال: أحرام على بلابله الدوح... حلال على الطير من كل جنس