العدد 1276 - السبت 04 مارس 2006م الموافق 03 صفر 1427هـ

المناورة الأخيرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غداً تبدأ الوكالة الدولية للطاقة الذرية اجتماعاتها لمناقشة الملفات المتعلقة بالأنشطة النووية في العالم. ويأتي الملف الإيراني في طليعة القضايا المتصلة بهذا الشأن. هناك الكثير من الملفات التي ستعالج خلال أيام الاجتماعات إلا أن موضوع إيران هو الأهم وربما ستكون له تداعيات خطيرة في حال نجحت واشنطن في تسييس المسألة واقنعت الأطراف بالتصويت على نقل الملف إلى مجلس الأمن.

أمام إيران فرصة لمنع حصول مثل هذا الاحتمال الذي خططت له الولايات المتحدة منذ فترة طويلة لدوافع كثيرة منها رغبتها في استكمال ما تبقى من مهمات عاجلة تتعلق باستراتيجية التقويض التي تعتمد سياسات «الفوضى البناءة» وزعزعة استقرار المنطقة وحماية النفط وضمان أمن «إسرائيل».

إيران حاولت المستحيل لمنع أميركا من تمرير خطتها. إلا أن الضغوط التي مارستها واشنطن والاتصالات التي أجرتها والاغراءات التي قدمتها للدول الأعضاء في الوكالة عطلت الكثير من الجهود التي بذلتها طهران لتفويت الفرصة على الولايات المتحدة.

الآن وصلت الضغوط إلى اللحظات الأخيرة التي ستحسم الخيار الدولي باتجاه تجميد الأزمة وإبقاء الملف في دائرة الوكالة أو تحريكها بالدفع نحو نقلها إلى مجلس الأمن. وقبل أن تنتهي تلك اللحظات المتبقية تستطيع إيران أن تحقق مفاجأة استراتيجية وتقلب الطاولة على خطة واشنطن وسياستها الخبيثة ومناوراتها الشريرة. فإيران تملك ورقة دولية قوية تتمثل في الغطاء الروسي ودور موسكو في تقديم ضمانات لطهران مقابل صفقة ثنائية بينهما.

عناوين الصفقة أوضحتها موسكو سابقاً ووافقت طهران على أجزاء منها وامتنعت عن تلبية ما تبقى من نقاط لأنها تمس حقها الشرعي (الدولي) في إنتاج طاقة سلمية إيرانية مئة في المئة.

من الناحية القانونية هذا حق شرعي تملكه إيران. فكل دولة لها حق امتلاك تقنيات إنتاج الطاقة النووية السلمية وهذا الأمر لا يتوافر الا إذا اكتسبت الدولة التقنيات والخبرة وتجربة الدورة الكاملة للإنتاج. هذا الحق الشرعي (القانون الدولي) تعارضه الولايات المتحدة ودول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) وبعض أطراف الوكالة الدولية. وذريعة هؤلاء أن إيران تملك «أجندة سرية» لاستخدام الطاقة النووية في إنتاج أسلحة دمار شامل.

الذريعة كاذبة واختلقتها واشنطن بتحريض من تل أبيب واللوبي الصهيوني وبناء على تكهنات لا تملك صدقية. ولكن هذه الذريعة المختلقة استخدمتها الولايات المتحدة للتهويل والتخويف والضغط لمنع إيران من ممارسة أبسط حقوقها التقنية. فأميركا تحاكم طهران على «النوايا» والشائعات وتعمد إلى تعطيل البرنامج كله مطالبة بتفكيك المختبرات ونقلها إلى الخارج شرطاً للسماح بحق إنتاج الطاقة السلمية. وهذا في حال حصل يصبح من المستحيل أن تستكمل إيران برنامجها.

لكن المشكلة أن إدارة «البيت الأبيض» نجحت في تأليب دول وكالة الطاقة والترويكا وبعض أصدقاء إيران على برنامج الطاقة التقني وتحولت تلك الذريعة المختلقة التي تحاكم طهران على النوايا لا الوقائع إلى سياسة تحريض تربط بين طموح دولة في تحقيق الاستقلال في إنتاج حاجتها من الطاقة السلمية وبين أمور تتصل بملف «الشرق الأوسط» وأمن «إسرائيل». فأميركا ربطت الموضوع بالسياسة لا بالتقنيات وحولت مسألة الطاقة إلى ملف يتصل بالإرهاب.

هذه المشكلة التي اختلقتها «إسرائيل» وسوقتها الولايات المتحدة دولياً تحولت إلى عقدة قانونية تواجه طهران في اتصالاتها وتحركاتها وحتى مفاوضاتها مع موسكو. ومثل هذه العقدة تحتاج الآن إلى مزيد من الوقت لاحتواء عناصرها واقناع فرقاء الصراع أو التفاوض بأن القانون الدولي لا يحاكم على النوايا بل الأفعال. وحتى تكسب طهران الوقت لابد لها من اللجوء نحو تحقيق مفاجأة استراتيجية خلال اليومين المقبلين من خلال تطوير تفاهمها مع روسيا والاسراع في توقيع اتفاق ثنائي يعطل على أميركا خطتها الجهنمية ويضمن لإيران حقها وحقوقها في امتلاك دورة تخصيب كاملة ضمن مهلة زمنية يتفق عليها في المستقبل.

الفرصة لم تغب في الأفق. وهناك مناورة أخيرة تستطيع استخدامها إيران من خلال كسب المفاوض الروسي (والصيني أيضاً) إلى جانبها. ولاشك في أن المناورة صعبة وخطرة ومكلفة وتتطلب من إيران تنازلات قاسية عن حقوقها الشرعية، ولكنها تبقى أفضل بكثير من خسارة جولة مهمة تعطي لواشنطن أفضلية سياسية في حال نجحت في نقل الملف من الوكالة إلى مجلس الأمن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1276 - السبت 04 مارس 2006م الموافق 03 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً