العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ

العقل العربي وإشكالية البيضة والدجاجة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

في حديث مع رجل متشدد كاره للغرب قال لي منفعلا: الغرب كله سوءات. انت مدحت ألمانيا. ماذا يوجد في ألمانيا غير الاباحية الجنسية؟

هي مستنقع العنصرية، وهي صاحبة مذبحة الهولوكوست، وهي أكثر دول العالم اباحية! قلت له: تلك هي مشكلتنا وكأننا نحن - في عالمنا العربي والإسلامي - ملائكيون وبلا اخطاء ونسبح في عسل الطهارة. يا سيدي الفاضل للعرب والمسلمين ايجابيات وسلبيات وكذلك للغرب. لا تكن تجزيئيا. لماذا تنسى الوجه الجميل لألمانيا؟ ألمانيا هي صيدلية العالم، وهي من أفضل البلدان في تخريج الموسيقيين المبدعين، وهي أرض الفلاسفة، وهي ارض حملة جوائز نوبل وهي من أكبر دول التصنيع في العالم. تتكلم عن الهولوكوست ومذابح ضد اليهود، اقول: من صنع مذبحة حلبجة؟ وكم عدد السياسيين الذين قتلوا في السجون العربية؟ هل تعلم ان عدد الذين قتلوا من المسلمين على يد العرب والمسلمين أكثر ممن قتلوا على يد الآخرين من الاجانب؟ لا احمل اسنانا شعوبية ضد العرب فأنا عربي ولكن يجب ان نقرأ اخطاءنا جيدا. أكبر اشكالية في الدول الشرقية هي غياب فضيلة النقد الذاتي والمراجعة. نعاني من فكر تجزيئي وغياب للروح التحليلية الناقدة لواقعنا. ما اسهل ان نضع اللوم على الآخرين ونبرئ ذواتنا. إن انتشار مرض «تبرئة الذات» سيزيدنا تخلفا. هل تعلم اننا الآن بحسب الزمن المادي نعيش في القرن الثامن عشر والعالم الغربي يعيش في القرن الواحد والعشرين؟ لذلك نعاني من فجوة كبيرة في الاقتصاد والصناعة وتحليل القضايا. حتى عندما نظلم لا نعرف كيف نوظف الظلامة للدفاع عن حقوقنا. وانظر لليابان: بعد مذبحة هيروشيما ونكازاكي، وانظر لنا بعد سقوط أفغانستان والعراق. انظر كيف استغل اليهود الهولوكوست وكيف نحن استغللنا مذابح الاستعمار لنا! لو كانت مأساة سجن أبوغريب عند اليهود لرأيت كيف فعلوا. الكثير يكذب في العالم العربي ولا احد يسأل. في الغرب كذبة نيكسون اطاحت بالحكومة وكذبة كلينتون في عدم تعاطيه مع لونسكي فضحته علناً امام كل الشاشات العالمية ولكن نحن نعيش الى الوراء. الرئيس جمال عبدالناصر - بعد الهزائم العسكرية والسياسية - يقدم استقالته فتخرج الجماهير العربية العاطفية رافضة ذلك، وفي فرنسا: على رغم كل ما قدمه ديغول عندما طرح مشروعه الاقتصادي للاستفتاء الشعبي لم يقبلوا ذلك وقالوا له: اجلس في البيت، وهو ديغول وما ادراك ما ديغول!

نحن عظيمون بالاسلام ولكن حتى الإسلام لم نستفد من اطروحاته. القرآن مليء بالعبر والدروس، تركنا ذلك وركزنا على تحفيظ القرآن. عشرات المدارس في باكستان ودول الخليج لتحفيظ القرآن، ولكن السؤال: من فسر لهؤلاء الأطفال الآيات التي تدعو إلى التسامح بين الاديان والبشر من قبيل: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن»(64: العنكبوت)؟ الداعية المستنير محمد عبده اذا قيل له: إن هذا الرجل حفظ القرآن عن ظهر قلب قال: ازدادت نسخ القرآن نسخة. على فكرة: البعض يحفظ القرآن، لكنه لا يفهم فقرة واحدة منه. اننا نبحث عن امة الكم وليس الكيف. يجب تجديد الثقافة فعقل الإنسان مثل الغرفة التي تحتاج دائما إلى فتح نوافذها لتجديد الهواء لأن الاوكسجين الثقافي قد ينتهي ويتلوث. الفكر يجب ان يبقى ماء جاريا لا معبأ في زجاجات مختوم عليها بالشمع الايديولوجي الاحمر.

اليوم نحن امام اشكالات معرفية وكونية أيضاً فلابد ان نمتلك احساسا كونيا وان نكون بمستوى التحدي في ظل عولمة تتسرب حتى داخل بيوتنا. فالصراخ لا ينفع بل نحتاج الى متانة معرفية في اقناع ابنائنا والا جرفتهم الرياح الغربية. نحن لسنا في عهد السلاجقة والبويهيين نحن في عصر معقد اصبح في غرفة واحدة وليس في قرية واحدة، مطحون بحضاراته وثقافاته وتناقضاته. يجب أن نبحث عن مستقبل تسامحي. العراق سينفجر طائفية بتسونامي جديد يحتاج الى علماء عقلاء. ولبنان يستعر تحت الرماد. والاراضي المحتلة في مواجهة دائمة. وهناك ازمة برنامج نووي في إيران قد تتفجر بين الغرب وإيران في اي لحظة، ونحن هنا نناقش مسألة «البيضة والدجاجة» في معارك وهمية بلا أي استراتيجية للمستقبل

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً