العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ

حذارِ من الولادة القيصرية!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة مخاض تعيشه منطقتنا العربية والإسلامية متعرج الحالات والمسارات، يصعد في مكان فيما يهبط في مكان آخر، يشتد الألم في لحظة فيما تتراجع الأوجاع في أخرى. وشعوب المنطقة حيرى من أمرها وتعيش «ساعات» قلق قد تستمر شهوراً أو حتى سنين! لا تعرف هل سيخرج الوليد سالماً لا تشويه فيه أو أنه لن يخرج إلا ميتاً أو حتى قد تموت معه الأم والمرضعة وكل من له علاقة بهذا الوليد المنتظر لا سمح الله!

في فلسطين كما في العراق كما في لبنان كما في سورية كما في إيران، كما في أية بقعة من الأرض العربية والإسلامية، يمكن للمرء أن يشهد مشروع ولادة في الأفق يصاحبه مشروع إجهاض، وفي الحالين فإن ثمة صراعاً بين تيارات تنتمي إلى «الداخل» وأخرى تنتمي إلى «الخارج»، منها من يسعى إلى إنجاح الولادة ومنها من يسعى إلى إجهاضها بأي ثمن كان!

زيوت تسهيل الولادة متوافرة، لكنها في الغالب موجودة في الكمون أكثر مما هي فعلاً، لكن وقود إشعال النار في جسم «الحامل» موجودة فعلاً أكثر مما هي بالكمون، فإرادات التحول والتغيير والإصلاح وإنجاز فعل «الولادة» من خلال آلية العمل الديمقراطي والشوروي وبمشاركة أوسع الطبقات الاجتماعية متوافرة بدرجة كبيرة وحجم واسع، لكن قدرتها على الفعل والنجاح تبدو محدودة ومحصورة في دوائر معينة، بالمقابل فإن إرادة إجهاض أي تحول أو ولادة طبيعية من دون عملية جراحية حادة تبدو محصورة في دوائر ضيقة للغاية، لكنها مسلحة بأقوى وأفتك المعدات للتدمير الشامل داخلياً وخارجياً.

في فلسطين، ثمة إرادة شعبية قاطعة تبحث عن حل ديمقراطي جذري للقضية المركزية لأمة العرب والمسلمين، وفوز حماس المدوي لم يكن سوى العلامة الفارقة. غير أن إرادة «المخربين» الداخليين والخارجيين ولاسيما قوى الاحتلال وسندهم الخارجي تبدو في المرصاد!

في العراق، يكاد الأمر لا يختلف كثيراً عن فلسطين المحتلة في الجوهر عدا أن قوى الداخل والخارج «المخربة» أكثر تحرراً في إرادة القتل وفعله وأكثر تعقيداً في المواقع والأدوار!

وفي لبنان وسورية، فإن المعاناة تبدو أكثر إيلاماً عندما يلحظ المراقب ذلك التراجع التراجيدي غير المعهود لقوى التقدم باتجاه مواقع أكثر رجعية حتى من قوى الرجعية نفسها، ولكن بثوب «ديمقراطي منتدب»!

ويبقى الملف الإيراني الذي بات وكأنه رأس الحربة في المعركة الدائرة بين قوى النهوض وقوى النكوص شاهداً على قوله تعالى: «لا يموت فيها ولا يحيا» (طه: 74)، بانتظار «الولاّدة» الحكيمة والمدبرة التي تعرف كيف تسحب الولد من بطن أمه من دون تعرض «الحامل» كما الوليد للخطر وبأقل الآلام الممكنة.

ويظل السؤال الكبير منذ فتحت معركة الولادة الكبرى قبل ما يزيد على القرن من الزمان والتي سميت يوماً ولاتزال بمعركة الإصلاح، هو: الاستبداد أولاً أم الاستعمار؟ وهنا ثمة من اكتشف خياراً ثالثاً، هو: تلفيق الصراع، أي دمج المعركتين في معركة واحدة وذلك من خلال معركة التحرر، أي التحرر من مقولة الاستقواء بأحدهما على الآخر، أي الوقوف على مسافة واحدة بين الاستبداد والاستعمار وعدم التراخي أو الركون إلى أجندة أي منهما...

لكن الوقود الملقى على الشارع بكميات كبيرة جداً يكفي لإشعال حرب أهلية في أي موقع وفي أية لحظة زمنية وعلى أية أرض عربية أو إسلامية مجرد أن تتوافر شرارة هنا أو هناك أو يشعل أحدهم فتيلاً، وعندها سيخرج التحول مهما كان «إيجابياً» عن مساره الطبيعي ولا تبقى فائدة تذكر من سقوط طاغية هنا أو مستبد أو ظلامي هناك.

هذا ما يحصل في العراق وأفغانستان كما يقول أصحاب هذا الرأي، والحبل على الجرار...

الضغوط الخارجية على بلداننا تتكثف بكل اتجاه والضغوط الشعبية على الاستبداد أحياناً وعلى الاستعمار أحياناً أخرى، وعليهما معاً في أحيان ثالثة تتكثف هي الأخرى أيضاً مع كل يوم يمر علينا.

يكفي أن تحرك منظارك بأي اتجاه تريد من اتجاهات العالمين العربي والإسلامي. والكوادر أو «الجنود» العاملون باتجاه التحول ومن أجل التغيير والإصلاح تراهم كثراً، لكنك سرعان ما ستلحظ غياب «الجنرالات»، بل وربما حتى «جنرال» واحد. والجنرال هنا ليس بالضرورة المقصود به الجنرال الحربي، بل ذلك القائد الكشاف وصاحب النظر الثاقب الذي يستطيع أن يتدخل أو يدخل في مخاض التحول المشار إليه ويقود عملية التحول المطلوبة بسلام ويوصلها إلى شاطئ الأمان بأقل الخسائر وأقل الجروح وأقل الآلام والمعاناة.

هذا الجنرال (الولاّدة) هو في عز الطلب الآن! لا مجال للإفراط ولا التفريط الآن، لا مجال للتجريب واستخدام فلسفة الخطأ والصواب كثيراً في هذه اللحظة التاريخية. كما أنه لا مجال هنا لشطب أي فريق مهما كان صغيراً أو قليل التأثير، هكذا وبجرة قلم، لا باسم الأكثرية ولا باسم السلام ولا باسم الإصلاح، ولا باسم الشرعية ولا باسم الديمقراطية ولا باسم الحرية ولا باسم الدين ولا... إنه ليس وقت «الحتمية التاريخية» ولا هي حقبة «نهاية التاريخ» بعد أن ثبت فشلهما كمنهجين «عالميين» أو «متعولمين»! كما أنه ليس زمن «الولادات القيصرية» كما يفضل طلاب الحروب أو النازعون إلى دورات العنف الإرهابية والإرهابية المضادة!

بل إنه زمن «الجنرالات» (الولاّدات) الذين يعرفون كيف يدارون الأم الحامل والجنين حتى يولد بسلام من دون التفريط بأحدهما أو كليهما حباً بإجراء العمليات الجراحية «بنجاح» فقط وفقط لإثبات القدرة على إجراء العمليات الجراحية ليس إلا... أي إثبات قدرات «الجرّاح» حتى ولو جاءت حصيلتها عبثية!

إنها مرحلة في غاية الحساسية والخطورة تعيشها منطقتنا العربية والإسلامية، إذا ما تجاوزناها بسلام وبأقل الخسائر الممكنة نكون قد عدنا إلى موقع الأمم الصانعة للحضارات، والفاعلة في الحياة الدنيا، وإذا ما سلّمنا أمرنا لقوة الرياح العاصفة من دون تدخل مدروس ومحسوب من قبل «جنرالات» (ولاّدة) نفرزها من بيننا، فإننا نكون قد قررنا الخروج من البوابات الخلفية لصناعة التاريخ، تاركين شعوبنا لقمة سائغة بين قدريي «الحتمية التاريخية» أو عبثيي معارك «نهاية التاريخ»

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً