العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ

حوار التسوية المؤقتة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الحوار اللبناني الذي بدأ تحت قبة مجلس النواب بحضور الكتل والفعاليات السياسية والنيابية هل ينجح في الخروج من مأزق التدويل أم يعيد إنتاج تسوية مؤقتة تنقذ البلد من كارثة تنتظر الجميع؟

كل التعليقات التي صدرت بشأن الحوار كانت متواضعة ولم تبالغ في استنتاجاتها. فالكل يعلم أن المطلوب دولياً من لبنان أكبر بكثير من مساحته وقدرته على تلبية رغبات تمس سيادة البلد وتوازناته.

الأطراف المشاركة في الحوار لم تتسرع في إطلاق التصريحات الكبيرة التي تعد اللبنانيين بالحلول الجاهزة. فالأطراف تعرف بأن الوضع لا يحتمل المزيد من الأزمات ولا تستطيع مواصلة السير في حقل من الألغام.

هناك مشكلة إذاً. والمشكلة تتراوح بين عجز القوى عن السير منفردة في طريق مزروع بالمتفجرات وبين التوقف في منتصف الطريق بانتظار الفرج الآتي من وراء البحار.

من أين تبدأ المشكلة؟ هذا السؤال لا اتفاق عليه بين اللبنانيين. وبسبب عدم التوافق على تعيين مصدر المشكلة تشكلت مجموعة وجهات نظر يصعب توحيدها في حوار اشتركت في إدارته كتل وفعاليات سياسية ونيابية.

كل فريق يرى المشكلة من زاوية مختلفة عن الآخر. والاختلاف الواقع بين الفرقاء يبدأ من عدم الاتفاق على قراءة مشتركة للمأزق. وهذا التخالف في الرؤية أسس في الشهور الماضية سياقات متضاربة عبرت عن نفسها في تصريحات متوترة ومواقف متشنجة وانقلابات في التحالفات وتعارضات في رسم تصور دقيق لواقع الأزمة.

الكل متفق على العموميات إلا أن الكل يتحول إلى أجزاء مفككة حين يبدأ الحديث عن التفصيلات. مثلاً هناك كما يقال ثلاث نقاط موضوعة على طاولة الحوار. الأولى القرار الدولي 1559، الثانية التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رفيق الحريري (القرار 1595)، والثالثة العلاقات مع سورية.

في الشكل تبدو الأمور واضحة في تعيين مصادر الأزمة. وفي المضمون هناك وجهات نظر متباينة في قراءة تلك النقاط الثلاث.

الكل مثلاً لا يختلف على مسألة توضيح العلاقات مع سورية وإعادة ترتيبها وفق سياق ثنائي يضمن المصالح المشتركة تحت عناوين تتعلق بالأمن وخطوط التجارة والتبادل الدبلوماسي... إلى آخره. والكل فعلاً لا يختلف على مسألة ضرورة التعاون مع لجنة التحقيق الدولية لكشف الحقيقة.

هذه التوافقات اللبنانية الظاهرية على النقطتين الثانية والثالثة تقطعها سلسلة تباينات في التعامل مع تفصيلاتها. والتفصيلات ليست بسيطة وأحياناً تكون متضاربة إلى حد التناقض. فكل طرف يعين «جهة ما» تقف وراء جريمة الاغتيال، كذلك لا تتفق الأطراف على تعيين ضوابط وطنية مشتركة لتحديد نوعية العلاقة مع سورية ومستواها والسياقات التي يجب أن تخضع لها الاتفاقات.

هناك الكثير من العموميات في التعاطي مع الملفات. وهذا النوع من القراءات لا يساعد على التوصل إلى توضيح نقاط الاختلاف والافتراق.

لا تقتصر الضبابية على النقطتين الثانية والثالثة بل نرى الضباب ينتشر أيضاً فوق بنود النقطة الأولى وهي الأخطر في الملف اللبناني الراهن.

النقطة الأولى الموضوعة على جدول الحوار تحتاج إلى نوع آخر من التفاهم لأن القرار 1559 يمس في جوهره سيادة لبنان ويضع البلاد في سياق تصادمي أهلي. فالبنود خطيرة وهي شكلت الأساس الموضوعي (الذريعة القانونية) لذاك التوتر السياسي (الطائفي) الذي زعزع الاستقرار ودفع القوى المحلية إلى تعليق الآمال على «الخارج» والمراهنة على متغيرات تقلب التوازنات الإقليمية وتدفع بالبلاد إلى إعادة تشكيل صورتها السياسية.

المشكلة إذاً تبدأ من هنا. أي من ذاك القرار الذي وضع لبنان على سكة التدويل ودفع بعرباته إلى التسابق للوصول إلى هدف غير منظور... وشرط الوصول إلى تلك الغاية المبهمة هو تقويض العلاقات الأهلية وتمزيق التوازنات وتهديد الكيان.

المشكلة موجودة في ذاك القرار الدولي. وبسببه تولدت مجموعة توترات أسفرت عن اغتيال الحريري وخروج القوات السورية من لبنان واصطفاف الطوائف في معسكرات سياسية تتراشق بالاتهامات. وتحت هذا الضجيج الإعلامي اندلعت مظاهرات متبادلة ووقعت سلسلة اغتيالات تختلف الأطراف المتحاورة الآن تحت قبة البرلمان على تعيين مصدرها والطرف الذي يقف وراء حصولها.

الحوار إذاً يتوقع له ألا ينجح. وكل الآمال معقودة الآن على عدم فشله. فالأطراف المتحاورة تدرك تماماً أن المشكلة ليست عندها وبالتالي فهي لا تملك الحل السحري لتفكيك العناصر التي تتألف منها الأزمة. وبين عدم النجاح وعدم الفشل هناك فسحة معقولة لإنتاج تسوية مؤقتة تتجنب مأزق التدويل وتتحاشى حصول كارثة إذا وقعت ستصيب الجميع بالأضرار والدمار.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً