العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ

مسئول إيراني: نرفض أساليب الإهانة والإذلال

الملف النووي الإيراني ...

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما تسلمت جدول الرحلة للوفد الصحافي العربي الذي زار إيران الأسبوع الماضي، كان من ضمن الجدول زيارة اصفهان بعد الانتهاء من زيارة المنشآت النووية في بوشهر... واعتقدت أن الزيارة ستكون لمركز الابحاث النووية، وهو أحد المواقع التي يدور حولها الخلاف لأنها تحتوي على مفاعلات مختبرية وتكنولوجيا تدخل ضمن سلسلة تحويل اليورانيوم إلى وقود مخصب... غير أن الزيارة كانت لمصنع الحديد والصلب (مجمع مباركة) ولمدينة أصفهان التي سجلتها اليونيسكو ضمن قائمة اهم سبعة مدن تاريخية وثقافية في العالم.

مصنع الحديد والصلب يقع على مساحة كبيرة جداً (35 كيلومتر مربع) وينتج الصفائح المعدنية المستخدمة في صناعة السيارات والأجهزة المنزلية وانابيب النفط والغاز، وقدرته الإنتاجية تبلغ أربعة ملايين ونصف المليون طن سنوياً، وهو يعتمد التكنولوجيا المتطورة والمستوردة من عدة بلدان منها: ألمانيا، بلجيكا، فرنسا وإيطاليا... المصنع بدأ العمل قبل 14 عاماً و75 في المئة من إنتاجه تستهلكه السوق المحلية، وكانت ارباحه العام الماضي نحو 600 مليون دولار، تأخذ الحكومة نصف تلك الارباح كضرائب لأن المصنع مملوك للدولة.

مساعد محافظ أصفهان محسن أحمد آبادي قال إن السياحة في أصفهان تستقطب السياح من كل مكان، وإن نسبة الأطباء إلى المواطنين تبلغ واحداً لكل ألف، بسبب تطور التعليم الجامعي الطبي إضافة إلى التعليم الجامعي الإنساني والتقني، فالمحافظة لديها أربعون جامعة ونحو 180 مركزاً للبحوث والتطوير، وهي مركز للصناعات المتطورة بما في ذلك صناعة طائرات ركاب اسمها «إيران 140» تتسع لخمسين راكباً، ويتم إنتاج طائرتين إلى أربع طائرات سنوياً، وهي تستخدم في الرحلات الداخلية حالياً، والمصنع أنشئ بمساعدة أوكرانيا قبل أربع سنوات.

بعيداً عن هذا التطور، فإن أصفهان خلابة بكل ما للكلمة من معنى، بدءا بميدان «نقش جهان» الذي يحتوي على قمة ما توصل اليه المسلمون من علوم قبل أربعة قرون. فالميدان يعتبر تحفة معمارية بالإضافة إلى تفاصيل دقيقة، من بينها كيف كان يتحدث الحراس في الزوايا وينتقل الصوت فيما بينهم وكأنه «هاتف نقال». الجسور التي تمتد عبر نهر «زايند» يبلغ عددها 33، واجملها ما تم تشييده قبل أربعة قرون، إذ يتجمع الإيرانيون حولها وينشدون الاغاني ويعزفون الموسيقى التقليدية.

عودة إلى الملف النووي

بعيداً عن الجانب الجمالي للمدينة، فإن اهتمام العالم ينصب على نقطة مهمة، هي: ما اذا كانت وكالة الطاقة الذرية الدولية ستقرر في 6 مارس/ آذار الجاري تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي بناء على تقرير المدير العام للوكالة محمد البرادعي. والبرادعي اشار في تقريره الأسبوع الماضي إلى أنه لا يوجد أي دليل على أن إيران حولت نشاطها النووي السلمي نحو الجانب العسكري، ولكنه قال أيضاً إنه يطلب المزيد من المعلومات لإزالة بعض الغموض. ومن المتوقع أن تقوم الوكالة بتحويل الملف إلى مجلس الأمن الا اذا توصلت إيران مع روسيا إلى اتفاق.

الاتفاق بين روسيا وإيران يتركز على قيام روسيا بتزويد الوقود النووي (اليورانيوم المخصب) ومن ثم استرجاعه بعد استخدامه. وإيران وافقت على ذلك شريطة أن يسمح لها بأن تمارس تجارب صغيرة في تخصيب اليورانيوم بحسب ما يسمح القانون الدولي. إلا أن أميركا وأوروبا وحلفاؤهما استطاعوا فرض شروط على إيران تحت ذريعة «عدم ثقتهم بنوايا إيران مستقبلا» فيما لو استطاعت تخصيب اليورانيوم بنفسها.

أحد أفراد وزارة الخارجية الإيرانية أبلغ «الوسط» أن إيران تعتقد بأن الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) حاولت مخادعة الإيرانيين وأنهم لم يقدموا أى شيء لإيران مقابل الاتفاق معهم على توقيف تخصيب اليورانيوم (على المستوى المختبري) منذ نهاية 2003. وقال «لقد وقعت الترويكا مع إيران في فبراير/ شباط 2004 اتفاقاً لنقل الصورة إلى الوكالة الدولية بناء على ما يدور بيننا وبينهم، وان إيران عرضت عليهم وضع أي نظام واي ضوابط للتأكد من أننا نسير في المجال السلمي، ولكننا وجدنا انهم تحت الضغط الأميركي ويطالبوننا بإزالة كل ما لدينا من مختبرات وتسريح خبرائنا وهذا كله يعتبر إهانة لإيران وهم تعمدوا القيام بذلك، وهذا أدى إلى أن تتحدى إيران أساليبهم وتطالبهم الالتزام بنصوص اتفاق منع انتشار الأسلحة النووية من دون زيادات ومزايدات».

وأضاف «لقد عرضنا على الترويكا الأوروبية أن نبدأ العمل في مركز الابحاث في أصفهان بدرجة منخفضة جداً وأن نفسح المجال امامهم لمراقبة ما نقوم به وأن يطلعوا على ما نستورده أو ننتجه من مواد. كما عرضنا عليهم التفاوض بشأن مركز «ناتانز» وان نفسح المجال للوكالة الدولية بأن تضع كل الضوابط التي تشاء قبل أن نبدأ نشاط تخصيب اليورانيوم للأهداف السلمية».

وعقب «إلا أن الترويكا الأوروبية كانت تطرح المزيد من المطالب مقابل وعود غامضة وبأسلوب مهين ومن دون أن تكون هناك أية محفزات لأن تقدم إيران المزيد من التنازلات».

ورداً على سؤال «الوسط» عن استراتيجية إيران تجاه الضغوط المحيطة التي أصبحت تشبه الحصار الدبلوماسي، قال «إن أية محاولة لفرض عقوبات علينا ستعني انتهاء تعاوننا مع الوكالة بشأن بناء جسور الثقة، وإن تصعيد الملف إلى مجلس الأمن سيعقد الأمور، ولكننا لن نسمح لأنفسنا بأن نذل عبر فرض شروط ليست موجودة في القانون الدولي».

«غناء» ...وإصرار على المبادئ

بعد يوم مزدحم كان علينا أن نمشي على الجسور التاريخية عبر نهر «زايند»... وهناك كان احد الشباب الإيرانيين يغني على معشوقته تحت احد أقواس الجسر... توقف عندما رآنا، ولكن اخبره احد المتحدثين بالفارسية بأننا مجموعة من الصحافيين العرب وحبذا لو واصل غناءه... وافق على ذلك شريطة ان يقول لنا تصريحاً صحافياً... وافقنا على ذلك فقال: «ارجو منكم أن تعلموا أننا جميعاً يد واحدة حتى لو كنا نختلف على الشئون الداخلية فيما بيننا... ونحن مؤمنون بمبادئنا وسنضحي من أجلها»... وبعد ذلك واصل الغناء على حبيبته.

وإن كان مثل هذا الحادث العابر يفيدنا في شيء فهو أن جميع ابناء الشعب الإيراني ليس لهم شغل هذه الأيام سوى متابعة آخر تفاصيل الملف النووي، وجميع من التقينا يعتبرون أن حقهم لا يمكن المساومة عليه وأنهم عازمون على مواصلة تخصيب اليورانيوم من أجل إنتاج وقود نووي لتحريك محطات الكهرباء التي يودون إنشائها بعد اكمال محطة بوشهر. وبحسب الخطة الإيرانية فإنهم يسعون إلى تشييد عشرين محطة نووية مع حلول العام 2020، كل محطة توفر نحو ألف ميغاوات (المجموع 20 ألف ميغاوات).

ليس من المعلوم حالياً كيف ستسير الأمور، ولكن الحديث مع المسئولين الإيرانيين يزيد المرء حيرة مع معرفة توجهات أميركا وأوروبا... فإيران لها الحق في الطاقة النووية السلمية مثلها مثل أي دولة أخرى... ولكن هذا الحق ربما سيكلفها كثيراً للحصول عليه

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً