بحسب التصريحات الإيرانية الرسمية، فإن برنامج إنتاج الطاقة الكهربائية عبر استخدام الوقود النووي ليس له أية أبعاد عسكرية، وإن الأمن القومي الايراني لن يستفيد من التسلح النووي، بل ربما يؤثر عليه سلباً. هذا التصريح يتوافق مع اتفاق منع انتشار أسلحة الدمار الشامل الذي وقعته إيران.
لكن المشكلة الأساسية هي أن أميركا والاتحاد الأوروبي يشككان في هذا الموقف الرسمي ويفرضان شرطاً أساسياً على إيران، وهو عدم تطوير قدرات الخبراء الإيرانيين باتجاه تخصيب الوقود النووي.
الإيرانيون يقولون إن عدم امتلاكهم القدرة على تخصيب الوقود النووي (من أجل الأهداف السلمية) يعني أن محطات الطاقة التي يشيدونها حالياً (ومستقبلاً) ستعتمد على القرار السياسي للجهة التي ستزودهم بالوقود... وسيكونون أسرى للإرادة السياسية لتلك الجهة، وهذا يعني أنهم يقعون في التبعية التي طالما رفعوا شعارات وأسسوا استراتيجيات من أجل التخلص منها.
على مدى سنتين (ما بين 2003 و2005) دخلت إيران في مفاوضات رسمية مع وكالة الطاقة الذرية الدولية ومع الاتحاد الأوروبي ممثلاً في الترويكا (بريطانيا، ألمانيا وفرنسا)... لكن بعد كل تلك المفاوضات وصلت إيران إلى قناعة بأن الأوروبيين يحذون حذو أميركا وأن هدف تلك القوى جميعها هو منع إيران من الاعتماد الذاتي في إنتاج «دورة كاملة للطاقة النووية السلمية»، بحجة أن إيران «ليست محل ثقة» وأنها ستطور سلاحاً نووياً «بصورة سرية». وزاد الطين بلة أن الأوروبيين طالبوا حتى بإقالة الخبراء الإيرانيين وتفكيك كل المختبرات وإثبات ذلك بصورة اعتبرها الإيرانيون مذلة ومهينة لهم... وعليه بدأ التصعيد عندما قررت إيران ان تعاود البدء في بحوثها لتخصيب اليورانيوم من أجل إنتاج الوقود النووي «محلياً» ومن ثم استخدامه لإنتاج الطاقة الكهربائية.
هل يمكن لإيران أن تتراجع عن هذا الموقف بعد التحشيد الإعلامي والإعلان المتكرر لموقفها الذي اعتبرته مبدئياً ومطابقاً للقانون الدولي؟
في حال أصرت إيران على موقفها، فإن أميركا مستعدة للضغط مع حلفائها لتحويل الملف النووي الإيراني من وكالة الطاقة الذرية الدولية إلى مجلس الأمن الدولي... وفي هذه الحال فإن أميركا ستطالب بفرض عقوبات اقتصادية على إيران. وقد نشط الأميركان في هذه الفترة واستطاعوا جذب جميع القوى المهمة إلى موقفهم عبر الترغيب والترهيب... وحتى الهند صوتت ضد إيران في الاجتماع الأخير ومن المحتمل أن تصوت ضدها مرة أخرى في 6 مارس/ آذار، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الاميركي الى نيودلهي قبل يومين والتوقيع على اتفاق للتعاون النووي بين البلدين. الصين ستبعد نفسها، لأن أميركا تمثل شريان الحياة لاقتصادها المتنامي.
لم يتبق إلا روسيا التي تشيد المحطة النووية في بوشهر... لكن روسيا تبحث عن مصالحها أولاً، وستنحاز الى أميركا (على ما أعتقد) طمعاً فيما ستحصل عليه من مردودات مادية ستقدمها أميركا ... وهو ما يعني أن إيران قد تجد نفسها محاصرة من جميع الجوانب
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ