العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ

معايير قياس الأداء البرلماني

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قريبا سيوصد البرلمان أبواب غرفه استعدادا لإجازته الصيفية، وسوف يشد أعضاؤه الرحال لقضاء تلك الإجازات بعيدا عن ضجيج الحوارات والمداخلات والاستجوابات. وحده المواطن العادي، هو الذي سيتحمل لسعات حرارة البحرين ويعاني من رطوبة أجوائها، وسيجد نفسه مرغما، قبل أعضاء البرلمان أو حتى موظفي الدولة ممن لأعمالهم علاقة، بشكل أو بآخر، بالنشاط البرلماني، وهو في خضم تلك المعاناة، أمام علامة استفهام كبيرة تتساءل معه: كيف كان أداء البرلمانيين خلال العام المنصرم؟

سؤال تقتضي الإجابة عليه جردة سريعة لهذه الفترة القصيرة، وهي لا تحل، بأي شكل من الأشكال، مكان تلك الشاملة التي ينبغي القيام بها في نهاية هذه الدورة، والتي تجرد مسئولية أربع سنوات من العمل البرلماني، والتي يحتاج القيام بها أكثر من مجرد رصد سريع يتوقف عند السطح والقشور، ولا يغوص في الجوهر والأعماق.

من المتوقع بل ومن الطبيعي أن يقوم البرلمانيون، أفرادا على حدة، وكتلا نيابية على نحو جماعي، بمثل هذه الجردة السريعة الضرورية التي تعينهم على تقويم أدائهم، وإجراء المقارنة الصحيحة، بين ما جاء في برامجهم الانتخابية وبين ما لم يتحقق منها، مرفقة بالأسباب، دون المبررات.

هناك مدخلان لتصميم إطار هذه الجردة، وتحديد مقاييس إجرائها: الأولى، وهو ما يمكن أن نطلق عليه صفات التقليدية التجميلية ذات الخلفية السطحية، والثانية، وهي تلك التي تخضع نفسها لمقاييس معيارية علمية دقيقة، تذهب بعيدا نحو لب الموضوع، دون أن تبهرها شكلياته.

لتقريب الصورة إلى ذهنية القارئ، يمكن استعارة نموذج تجاري، إذ يمكن قراءة الجردة البرلمانية، بمنهجية قريبة من تقويم التقارير السنوية التي تناقشها جمعيات عمومية الشركات المدرجة في الأسواق المالية، حيث يحاول أعضاء مجلس الإدارة رسم صورة وردية - قدر المستطاع - للفترة التي تحملوا فيها مسئولية إدارة تلك الشركة من أجل تحسين أوضاع تلك الشركة في السوق، وضمان إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة في آن. تدفع تلك التقارير بالمحاسن إلى السطح، وتخفي القبيح في القاع، يساعدها في ذلك الكثير من الأساليب الذكية التي نجح الكثير من شركات التدقيق والاستشارات المحاسبية في اكتسابها، وباتت تملك قدرات فائقة على طرق تطبيقها. لكن الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق المالية هتكت أسرار تلك الشركات المحاسبية، ووضعتها مع الشركات المدرجة عارية أمام حملة أسهمها، الأمر الذي قاد إلى التشكيك في العديد من صدقية الشركات المحاسبية والتقارير التي تصدرها، بما فيها تلك التي كانت تقّوم، وبشكل مستقل كما كانت تدعي، مستوى أداء تلك الشركات وتصنفها مراتبيا.

لذا، لابد من التوقف عند ماهو جوهري وأساسي، دون القفز على ماسواه، الذي لابد هو الآخر أن يأخذ حقه من التقويم والدراسة، لكن في الأوقات والمجالات والأمكنة الصحيحة، وعبر القنوات الملائمة.

أول هذه المسائل، التي ينبغي أن يساءل كل عضو برلمان نفسه بها هي إلى أي مدى نجح، كبرلماني، في نزع أثواب الطائفية، وارتداء الوطنية عوضا عنها؟ والحديث هنا يتناول لحظات التصويت المصيرية، وليس أوقات مداخلات الترويج السياسية. ضمير البرلماني الحي المستيقظ مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن يقف بكل ما يمتلكه من شجاعة وشفافية كي يبوح لصاحبه بمدى صدقه مع نفسه أولا، ومع مرشحيه ثانيا، في أن انحيازاته كانت وطنية بالمطلق، وغير قابلة للمساومة عند مقارنة ما هو طائفي بما هو وطني. بوسع أعضاء البرلمان أن يضحكوا على ذقون الجميع، دون أي استثناء سوى أنفسهم، ومن ورائها ضمائرهم. والأعمال هنا ليست بالنيات وإنما بالممارسات.

ثاني تلك المسائل، إلى أية درجة لم يساوم عضو البرلمان كي يضحي بالإستراتيجي الوطني، لقاء التكتيكي ذي المكاسب الذاتية، سواء للنائب نفسه أو لكتلته؟ وهناك قائمة طويلة بالقضايا الإستراتيجية مقابل التكتيكية نورد أهمها على سبيل المثال لا الحصر، الموازنة العامة ومداخلها، والتي لم يكن للسلطة التنفيذية أن تنجح في تمريرها، لولا قدرتها على اختراق التماسك البرلماني بالتلويح ببعض المصالح الفردية أو الفئوية، لكي لا نتهم أعضاء البرلمان بافتقاد أصول بناء التحالفات، أو بالسذاجة السياسية عند رسم خططهم الهجومية أو برامجهم الدفاعية.

ثالث تلك المسائل، ما مدى قدرة الكتل البرلمانية، وليس الأعضاء كل على حدة، على اقتحام قلاع السلطة التنفيذية وخلخلة صفوفها، بدلا من الانتظار لصد هجماتها خشية نجاح هذه الأخيرة في إرباك المعارضة وزرع الفوضى في صفوفها. إن الاكتفاء بالسياسة الدفاعية، لا تضع بين يدي السلطة التنفيذية أسلحة المباغتة والالتفاتات السريعة التي توفرها فرصا كثيرة للإمساك بزمام المبادرة، فحسب، بل تفقد المعارضة، أيضا، الوقت الذي هي في أمس الحاجة إليه، لإعادة ترتيب قواتها من أجل اقتناص أية فرصة للبدء في هجوم مضاد. هذا يفسر ما نراه من لجوء المعارضة المتأخرة زمنيا، بردود فعل باهتة تفقد تأثيرها، وفي أحيان كثيرة جدواها. ما يزيد الأمر سوءا وخطورة، عندما يصبح الهجوم السلطوي سلوكا مستمرا، والدفاع البرلماني عادة مستحكمة. حينها تنقلب الأمور رأسا على عقب، ويفقد البرلمان كسلطة تشريعية، وساحة مواجهة جدواه، ويصبح، برغبة المعارضة أو على الرغم من إرادتها، واجهة تجميلية للسلطة تتباهى بها في المحافل الدولية، وتبرر من خلال التمسك بها كل أشكال هتك حقوق المواطن، بل وربما يصل الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك.

فهل يحمل المواطن زيادة تفاؤله بانتظار وقفة برلمانية معيارية يتراجع أمامها كل ما هو سواها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً