الكل يتكلم منذ سنوات عن الظلم الذي أوقعه بعض المتنفذين على مياه خليج توبلي وعلى نباتات القرم التي اشتهر بها هذا المعلم الطبيعي، والكل يتحدث أيضا عن تلوث هذا الخليج الذي أوشك أن يصبح بفعل الإهمال تارة وجشع البعض تارة أخرى من الدوارس التي توشك على الاندثار.
الكل يقول إن الدولة تتغاضى عن الخليج لأن بعض المتنفذين تهفو أنفسهم لوضع اليد على ما تبقى من مساحته البحرية بالدفان لإنشاء قصورهم وعماراتهم وحتى مشاريعهم التجارية عليه.
كل ما يقال بهذا الشأن صحيح ونحن نقره وندافع عنه، لكن لا أحد يتطرق إلى أولئك البسطاء الذين حرموا بجرة قلم بقرار أصدره مجلس بلدي الوسطى خبط عشواء، واعتمده وزير البلديات آنذاك - وللأسف - من بناء أراضيهم الموجودة بالقرب من الخليج منذ حوالي الثلاث سنوات، ولا أحد ممن يرفع صوته في قضية خليج توبلي يبدو متحمسا للحديث عن مآسي المواطنين الذين أثقلوا كاهلهم بالقروض منذ أعوام عدة ومازالوا، بحثا عن قطعة أرض تحملهم وأبناءهم، وساقهم حظهم لشراء أراضٍ بأسعار لا تقل مرتفعة حينها ولا عن 30 و40 ألفا، أملا في تحقيق أمنيتهم ببناء بيت العمر.
لا أحد يجيب بأي شرع أو دين أو قانون يحرم مواطنون بحرينيون من البناء على أراضيهم وممتلكاتهم الخاصة، لذلك نقول إن القرار الذي أصدره بلدي «الوسطى» في العام 2006 بمنع المواطنين من بناء أراضيهم المطلة على الخليج كان قرارا متخبطا وغير مدروس وغير قانوني البتة، ونقول كذلك إن المجلس بحماسته المفرطة في حماية الخليج وتوفير سواحل للناس كان كمن «أراد أن يكحلها فعماها».
ودعونا نسأل من استمات من الأعضاء لإصدار هذا القرار، هل تعرف أنك بحبر القلم الذي سطرت فيه حروف قرارك حرمت عشرات الأسر البحرينية من بناء مساكنهم على أراضيهم الخاصة رغم أن أراضيهم بعيدة عن البحر؟ وهل تعلم أن بعضا من هذه الأسر لاتزال تدفع من قوتها وقوت عيالها إلى الآن قيمة الأرض التي تفضلتم بقراركم بمنعهم عن بنائها؟ إن كنتَ تعلم فتلك المصيبة وإن كنت غير ذي علم فتلك أعظم من سابقتها.
تقولون إنكم تريدون ساحلا ليجد الناس متنفسا لهم وهذا يقره كل ذي عقل، لكن ماذا تريدون بقرار أصدرتموه منذ نحو ثلاث سنوات ولا يزال يتجدد كل ستة أشهر بالمنع؟ تقولون إن هذا القرار ليس منعا بل هو إيقاف مؤقت، ونحن نقول لكم ما الغرض من هذا الإيقاف المؤقت؟ ستقولون دراسة الموقع والاستملاكات، وسنقول لكم أليست الثلاث سنوات كافية لهذه الدراسة؟ ستقولون ننتظر قانون الاستملاك. سنقول لكم هل لديكم أموال أصلا للاستملاك؟ نقول لكم أنتم من قلتم أن استملاك 20 مترا من أراضي الخليج يحتاج 100 مليون دينار، فأوضحوا لنا من أين ستأتون بهذا المبلغ وهو يزيد 3 أضعاف عن موازنة وزارة البلديات نفسها، فأنتم تحتاجون لموازنة الوزارة 6 سنوات كاملة حتى تتمكنوا من استملاك 40 مترا وليس 50 بحسب قراركم الحالي، فهل تريدون للمواطنين أن ينتظروا عشر سنوات حتى تقولوا لهم إننا لا نستطيع استملاك أراضيكم؟!
نتمنى على مجلس بلدي الوسطى الذي أصدر قرار المنع وصدق عليه الجهاز التنفيذي أن لا يتمادى في استخدام صلاحياته الممنوحة له، فهو بقراره هذا قد أوقف مصالح الناس ثلاث سنوات كاملة، فرفض أن يعطي المواطنين رخص بناء لمن كانت أرضه على مساحة 100 متر من الخليج أولا، ثم بعد عام قلصها إلى 50 مترا، فلا هو قادر على الاستملاك - حتى لو صدر القانون - ولا هو لاغٍ قراره المجحف بحق الأسر البحرينية التي تعيش الهم والكدر بسبب ذلك.
إننا ندعو وزير البلديات إلى التدخل شخصيا لوقف هذا التجني على حقوق المواطنين بالتصرف بأملاكهم الخاصة أو الإسراع في تعويضهم، فما يصلنا من هؤلاء يدمي الأنفس ويحزنها، خاصة إن من بين هؤلاء من مازال يدفع للبنوك ثمن الأرض التي حرم من بنائها، فهؤلاء وإن لم تصل أصواتهم لكم يا سعادة الوزير فإنها وصلت لرب العالمين، شاكية حالها وحزنها لله، ولا أظنكم ترضون أن يضام مواطن بحريني وأنتم الذين عودتم الجميع منذ تسلمكم الوزارة أنكم أول من يذود عن حقوق الناس.
ونقول لمن مازال مصرا من بلديي الوسطى على هذا القرار، إن هناك من يدعو ربه ليل نهار ليفرج عنه هذه الكربة التي أوقعتموه فيها، بسبب الحال البائس الذي وصلوا إليه، دون ذنب أو جناية منهم، وهؤلاء جلهم من دوائركم الانتخابية، فإن لم تأبهوا بحزنهم، فلا تنسوا أصواتهم التي ستحتاجونها قريبا.
إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ