كثيرون قرأوا عن الهولوكوست، والأكثر هم الذين رأوا استبسال «إسرائيل» في الدفاع عن هذه القصة، حتى لو كان بجرجرة من يبحث فيها وينتقد أرقامها إلى المحاكم، وليس بعيداً صراع روجيه غارودي في المحاكم الفرنسية بشأن كتابه «الأساطير المؤسسة للدولة اليهودية».
والهولوكوست سواء كانت حقيقية أم افتراء على التاريخ، هي السبب الأكبر في إدخال السلاح النووي إلى منطقة الشرق الأوسط. يقول رئيس وكالة الطاقة الذرية الإسرائيلية ديفيد بيرغمان في تصريحه الشهير في العام 1952: «حصولنا على قنبلة نووية سيحول دون قيادتنا كما الخراف للذبح». والحصول على قنبلة ذرية لم يكن ممكنا دونما الحصول على مفاعل ذري يكون ظاهره الاستخدامات السلمية، وباطنه إنتاج قنابل أقل ما يمكن وصفها به أنها «مبيدات بشرية».
وحليفة «إسرائيل» في هذا المشروع لم تكن الإدارة الأميركية، وانما كانت الحكومة الفرنسية، ففي العام 1956 وافقت فرنسا على تزويد «إسرائيل» بمفاعل نووي للأبحاث بقوة 18 ميغاوات، لكن إغلاق قناة السويس وتأميمها في أسابيع قليلة بعد هذا الاتفاق في يوليو/ تموز والحرب التي قامت حينها بمساندة بريطانية وفرنسية لـ «إسرائيل»، قادت هذه الأخيرة للمطالبة بتغيير طلبية المفاعل مع فرنسا، إذ تم الاتفاق في أكتوبر/ تشرين الأول 1957 على أن يكون المفاعل بقوة 24 ميغاوات (مع أن نظام تبريده ونظام النفايات صمم ليلائم ثلاثة أضعاف هذه القوة)، ومع هذه الصفقة تمت إقامة مصنع للمعالجة الكيماوية.
كل هذه الخطوات مرت بسرية فائقة، من بناء مفاعل ديمونة، حتى تهريب آلاته ومعداته من فرنسا. وكلمة «تهريب» تأتي في موقعها تماماً، فالجمارك الفرنسية قيل لها إن قطع المفاعل الكبيرة كالخزان، إنما كانت قطعا لمصنع تحلية في أميركا اللاتينية، والمياه الثقيلة التي اشترتها فرنسا من النرويج مع شرط الأخيرة بألا تنقل إلى بلد ثالث، هذه المياه تم نقلها جوا عن طريق القوات الجوية الفرنسية.
كل هذا مر بسرية تامة، ولكن المشكلة بدأت في مايو/ أيار 1960 عندما بدأت فرنسا بالضغط على «إسرائيل» لكي تشهر المشروع، إضافة إلى إخضاعه للرقابة الدولية.
كانت فرنسا حينها ممثلة في رئيسها دي غول متخوفة من أن انتشار أنباء المشروع سيولد ضغوطا على فرنسا، التي كانت حينها تخوض حربا مع الجزائر. وحين اجتمع ديغول مع الرئيس الإسرائيلي بن غوريون اطمأن إلى إيقاف مشروع مصنع المعالجة الكيماوية بوعد من بن غوريون نفسه، لكن بعد مضي أشهر قليلة وافقت فرنسا على تزويد «إسرائيل» باليورانيوم مع إلغاء شرط الرقابة الدولية.
بالنسبة إلى الجانب الأميركي كان نائما في العسل، ففي طلعة استطلاعية لطائرات يو2 تم تصوير البناء القائم لإنشاء ديمونة، والذي فسر من قبل الإسرائيليين بأنه مصنع للنسيج ومحطة للزراعة، وروج لذلك الغموض في تصريح بن غوريون بأنه مفاعل نووي «للأغراض السلمية».
الضغط الذي مارسته أميركا على روسيا والدول الشيوعية في الستينات للسماح لليهود بالهجرة إلى «إسرائيل»، سمح بتوجه علماء أكثر من ذوي العلوم الذرية في خدمة مفاعل ديمونة وخدمة الشيكل في إنتاج القنبلة النووية الأولى، وعزز الكلام تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية للعام 1968 الذي استقى معلوماته عن وجود قنبلة ذرية إسرائيلية في طي الكتمان، استنادا الى محادثات أبوالقنبلة الهيدروجينية الأميركية إدوارد تيلر مع نظرائه من العلماء الإسرائيليين.
لم تكن هناك ضغوط على «إسرائيل» للسماح للمفتشين الدوليين بزيارة مفاعل ديمونة، فالهولوكوست عندما كانت تلوح بها «إسرائيل» كانت كفيلة بإخراس الغرب، إضافة إلى عدم تخوفهم من عقلانية «إسرائيل» باستخدام السلاح النووي، ففي حرب 1973 كانت «إسرائيل» تملك 13 قنبلة ذات قوة 20 كيلوطن للواحدة، ولم تستخدم أيا منها، ولكن صحيفة «صنداي تايمز» نشرت في العام 1986 وصفا وصورا للرؤوس النووية الإسرائيلية والمصانع المقامة تحت الأرض لصناعتها، وبطل هذه الفضيحة هو مردخاي فعنونو، وخمن حينها الخبراء بأن «إسرائيل» تملك ما بين 100 و200 رأس نووي.
الهولوكوست التي تحيي «إسرائيل» ذكراها سنويا، هي التي أوصلت «إسرائيل» إلى تقدمها النووي، لذلك عندما يكذب أحدهم حصولها أو يفندها كما يفعل الرئيس الايراني حاليا، فإنه يلمح إلى ما هو مطلوب من دول العالم، ألا وهو نزع سلاح «إسرائيل» ليصبح الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة، أو من ناحية أخرى فهو يلمح إلى أن الخطر المحدق به من النظام الأميركي، وطالما أن «إسرائيل» بنت مجدها على الهولوكوست فقد حان الوقت لهدم هذا المجد، وهو الخوف من أن ننساق كما الشياه للذبح كما قال ديفيد بيرغمان.
العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ