يأبى الرئيس العراقي السابق إلاّ أن يدخل التاريخ من أوسع الأبواب! فبعد أن وصل إلى قمة البطولة في الحروب العبثية، حاول أن يدخل التاريخ مؤلفاً للروايات وكاتباً للأشعار. وكلما طالت إقامته في السجن، فسيكتسح في طريقه فيكتور هيغو وتشارلز ديكنز وارنست همينغواي، كما سينسي قومه العرب أسماء البحتري والمتنبي والأخطل، من شعراء العصرين الأموي والعباسي! وسترون!
الجديد في الجلسة الرابعة عشرة من محاكمته، أن صدام حسين طلع علينا بوجه «ملكوتي» جديد! فقد قرّ قراره على إزاحة اسم عنتر بن شداد العبسي من عرش البطولة العربية، بعد أن ظل متربعاً على القمة لمدة خمسة عشر قرناً ونصف قرن! وإذا استمر صدام في أدائه الحالي أمام القاضي رؤوف رشيد عبدالرحمن، فسرعان ما سيمحو اسم عنترة من الذاكرة العربية إلى الأبد!
ربما تتذكرون حكايات عنترة، حين حمل سيفه وركب فرسه وقطع الربع الخالي ليحضر ألفاً من النوق العصافير، فساخت رجلاه في الرمال، فولى أخوه الجبان شيبوب هرباً وعاد إلى مضارب القبيلة باكياً. أما هو فخرج بمعجزة ليعود بالنوق العصافير، رأساً ينطح رأساً، من أجل عيون عبلة!
أما عنتر القرن العشرين، صدام بن شداد، فوقف قبل يومين في المحكمة ليقر على نفسه بأنه أمر بتدمير بساتين الدجيل.
ولأن المحامين والادعاء العام والعالم كله لا يفهمون كلامه الذي يتفجر بالبلاغة والحكمة، اختار أن يوضح قائلا: «أنا الذي جرفها، ليس بمعنى اني ركبت البلدوزر (بعزتي وجلالي وكبريائي) وجرفتها، وإنما صدر قرار عن مجلس قيادة الثورة بقطع البساتين وتجريفها لمن ثبت عليه تهمة الإجرام، وأنا موقع القرار».
وإذا كان شيبوب هرب وترك أخاه ينازع الموت وسط الرمال، فإن صدام لم يترك أخاه برزان، وانما آثر أن يقدم نفسه قربانا وفداء لأخيه وبقية زملائه المناضلين، فأكد قائلا: «أنا الذي جرفها، فلماذا تذهبون إلى طه ياسين رمضان (نائبه السابق)، أو برزان؟ (أخوه البريء الرقيق المهذب جدا، الذي لا يرفع عينه حياء أمام الآخرين)...!
وأضاف مخاطبا القاضي: «كان هناك رئيس واحد حاكموه واتركوا الآخرين... هذا ليس تحدياً، لكن أنا أخاف فقط من الله من أيام المدرسة!».
هذا الرجل، الذي وقع قرارات إعدام الآلاف من أبناء الشعب العراقي، ودفعت حماقاته إلى حروب عبثية في المنطقة، دفعت الشعوب المجاورة أثمانها من لحوم أبنائها، كويتيين وسعوديين وإيرانيين، في آخر فصول هذه المسرحية السوداء... يقف ليقول انه يخاف الله! هذا الخوف الذي يعرفه لأول مرة في حياته كما يبدو! إذ لم نجد له أثراً يوم أطلق جنوده على «عربستان» وعلى الكويت، واغتصب جنوده النساء العربيات والمسلمات. حقّاً انه الرئيس الذي لا يخاف الله، ولا يخجل من الناس
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ