العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ

الملف النووي الإيراني صراع الإرادات يتحكم في الساعات الأخيرة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مدينة بوشهر المطلة على مياه الخليج تأخذ في تصميمها شكل المثلث، ومنازلها صممت لكي تستقبل الهواء من الشمال وهي مرتبطة بعادات وتقاليد لا تختلف كثيراً عما نجده من منازل قديمة في المحرق والمنامة. وأحد أحياء المدينة يحمل اسم «البحارنة» وهناك منازل وقبور تابعة إلى عائلة آل عصفور، وهي المدينة التي كانت مشهداً للكثير من الحوادث التاريخية المرتبطة ببلادنا، واسمها مكون من كلمتين «بوخت واردشير»، واردشير كان أحد ملوك الدولة الساسانية القديمة.

انطلق الوفد العربي الصحافي إلى خارج المدينة باتجاه منشآت بوشهر النووية، وهي عبارة عن محطتين للكهرباء، إحداهما اكتمل تسعون في المئة من إنشائها، ومن المتوقع ان يتم تشغيلها هذا العام لإنتاج طاقة كهربائية قوتها ألف ميغاوات.

في الطريق إلى محطة بوشهر تشاهد المزارع المفتوحة والمملوءة بالبقر والاغنام، وهذه علامة صحيحة، لأنه في حال كان هناك تلوث بيئي فلن تجد حياة لطيور أو حيوانات.

عند الدخول إلى المحطة تبدأ معالم جديدة أمامك... فهناك عدد كبير من الروس والروسيات الذين يزدحم بهم المكان... وهو مؤشر آخر على أن الروس ماضون في اتفاقهم لإكمال المحطة النووية.

الخلاف ليس في هذا الأمر، لأن وكالة الطاقة الدولية تفتش المكان باستمرار، وقيل لنا ان المفتشين كانوا موجودين قبل يوم من وصولنا، المشكلة تكمن في تخصيب الوقود النووي، الأميركان والأوروبيون يصرون على منع إيران من امتلاك القدرة على تخصيب الوقود، لأن هذه القدرة قد يتم تطويرها لاحقاً لصنع السلاح النووي. الإيرانيون يصرون على أنهم سلميون وانهم وقعوا اتفاق منع انتشار الأسلحة الفتاكة وانهم على استعداد لاخضاع جميع ما يقومون به للتفتيش الدولي.

الأوروبيون والأميركان يقولون إن امتلاك القدرة هو الخطر، والإيرانيون يقولون إن امتلاك القدرة على تخصيب الوقود سيعطيهم الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس الذي يعتبرونه أحد الأهداف الاستراتيجية لسياستهم المستقلة. الحل المؤقت هو أن تقوم روسيا بتزويد الوقود المخصب وان تسترجعه من إيران بعد استخدامه... مع احتفاظ إيران بالقدرة على التخصيب المخفف على مستوى المختبرات... وهذا ما ستتم مناقشته في اجتماع مجلس الحكام لوكالة الطاقة الدولية في 6 مارس/ آذار الجاري.

إيران تمتلك اليورانيوم الخام (قبل التخصيب) في محافظة يزد، والاحتياطي المتوافر لها يبلغ خمسة آلاف طن، وهي كمية هائلة.

داخل المنشآت النووية في بوشهر يستقبلك العلماء والمهندسون الإيرانيون الذين يتحدثون من خلال مترجم من الفارسية إلى العربية... وعندما طلبنا التحدث بالانجليزية لم يكن ذلك ممكنا لأن المهندس تدرب في روسيا وهو يتحدث الروسية والفارسية. والمحطة تحتوي على نحو 700 خبير ومهندس إيراني جميعهم تدربوا في روسيا.

المفاعل الذي تستخدمه إيران في بوشهر يستخدم تكنولوجيا آمنة ومعروفة، وهناك في العالم نحو 440 مفاعلاً نووياً، 104 منها توجد في الولايات المتحدة. والمفاعل يستخدم الماء الخفيف، الذي يتم تحويله إلى بخار وضغطه باتجاه المحركات (التوربينات)، وهي بدورها تنتج الطاقة الكهربائية. والمفاعل يرتفع إلى أكثر من عشرين متراً فوق الأرض وتحيط به قبة من الاسمنت المسلح سمكها أكثر من مترين، ولا يمكن ان تخترقها الصواريخ الاعتيادية. كما أن هناك غشاءين من الفولاذ يحيطان بالمفاعل، وفيما لو اخترق صاروخ الاسمنت المسلح فإن أمامه غشاءين من الفولاذ السميك.

التصميم يعتمد تكنولوجيا معروفة عالمياً، وطرق السلامة والوقاية متوافرة لدى كثير من الدول، وربما ان فرنسا تعتبر أفضل الدول في تصنيع مثل هذه المفاعلات لأنها تعتمد على إنتاج نحو 70 في المئة من طاقتها الكهربائية على المفاعلات النووية. والتصميم الروسي قريب من التصميم المستخدم في فرنسا وهو أيضاً ذاته المستخدم في بريطانيا، أميركا، ألمانيا واليابان.

مدير العلاقات الدولية في محطة بوشهر محمد أميري قدم شرحاً تفصيلياً لإجراءات السلامة والوقاية المتبعة، وقال إن الخبراء الإيرانيين وبمساندة الخبراء الروس استخدموا كل السبل التي توصي بها المقاييس الدولية ووكالة الطاقة الدولية لحماية البيئة ومياه الخليج من أية احتمالات للتلوث، مشيراً إلى أن أي تلوث يحصل يتم احتواؤه لأن الوقاية تعتمد على «الاحتواء المزدوج»... بمعنى لو أنه حدث تسرب فانه ينتقل إلى منطقة معزولة أساساً، وتتم محاصرته ضمن هذا الاحتواء المزدوج.

صعدنا إلى أعلى القبة، إلى نهاية المفاعل النووي في الأعلى، وافسح الإيرانيون المجال لقناة «العربية» وللصحافيين ممن يودون التصوير بأن يتنقلوا حول المفاعل ومن ثم نزولاً إلى الاسفل حيث توجد غرفة التحكم والقيادة.

ورداً على سؤال عن السبب في اختيار بوشهر موقعاً للمحطة النووية، قال احد الخبراء الإيرانيين ان الموقع تم اختياره منذ سنوات طويلة على اساس دراسة اعدها الأميركان للإيرانيين، واثناء الحديث تبين ان الأميركيين كانوا هم الذين حثوا إيران على امتلاك الطاقة النووية السلمية، وان ذلك يعود إلى العام 1957 عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق ايزنهاور خطة للاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، وقدم الأميركان دراسات كثيرة تحركت بصورة عملية في العام 1968، ومن ثم نتج عن ذلك منح شركة ألمانية عقد إنشاء محطة بوشهر في 1974/ 1975... وقامت الشركة الألمانية بإكمال تسعين في المئة لاحدى المحطات وأكثر من خمسين في المئة للمحطة الثانية (داخل منشآت بوشهر). ولكن العمل توقف مع انتصار الثورة الإسلامية في 1979، وتعرض محيط المفاعل لهجمات الطائرات العراقية اثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988).

وفي العام 1998 بدأت إيران في إعادة بناء المحطتين بالاتفاق مع روسيا، وهكذا وصلنا إلى ما نحن عليه حالياً.

المنشآت النووية الإيرانية على مستوى البحوث والمختبرات متوزعة في عدة أماكن... هناك مركز للبحث في أصفهان يستخدم تكنولوجيا صينية تتكون من أربعة مفاعلات مختبرية صغيرة تراقبها وكالة الطاقة الدولية. ويقال إن لديهم في مدينة آراك مخططاً لاستخدام المياه الثقيلة (أكثر تطوراً من المياه الخفيفة المستخدمة في بوشهر)، ولديهم مصنع صغير (مختبري) لتخصيب اليورانيوم في مدينة «نطنز» وهو الموضوع الاساسي الذي يركز عليه الأميركان والأوروبيون، وكان أيضاً لديهم مصنع مختبري صغير يستخدم تكنولوجيا الليزر تم تفكيكه وتعطيله العام 2003 بضغط من وكالة الطاقة الدولية.

الإيرانيون يصرون على حقهم القانوني، ودبلوماسيتهم تنشط في كل جانب، والنتيجة سنعرفها بعد اجتماع 6 مارس لوكالة الطاقة الدولية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً