العدد 1273 - الأربعاء 01 مارس 2006م الموافق 30 محرم 1427هـ

شئون وشجون بحرينية صينية (10)

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

وأنا أختم هذه الحلقات عن ندوة العلاقات الصينية العربية وجدت دفئاً وحميمية مع كل الصينيين من مسئولين بوزارة الخارجية الصينية وسفراء صينيين سابقين وأكاديميين وأدباء ومفكرين. إنه عامل مهم في تطوير العلاقات بين العرب والصين لابد من التنويه به. وأشير هنا إلى استقبال نائب رئيس الوزراء الصيني للمشاركين في تلك الندوة وذلك في الساعة الثالثة والنصف من يوم 13/12/2005. استغرق اللقاء أكثر من ساعة تم فيه تبادل الكلمات المتدفقة بالمشاعر الطيبة والتمنيات بزيادة التواصل بين العرب والصينيين حاضراً ومستقبلاً، وقد ألقى رئيس اتحاد الكتاب والأدباء العرب علي عرسان كلمة ضافية فيها شكر وتنويه بالمسئول الصيني الكبير على احتفاء وزارة الخارجية الصينية بهذه الندوة المهمة.

وفي الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه توجهنا جميعاً إلى بيت الضيافة (دوياتاي)، إذ أقام نائب وزير الخارجية الصيني مأدبة كريمة حافلة بالأطباق الصينية والأجنبية وشكرناه على الضيافة الكريمة والاهتمام البالغ بضيوف الصين. لاحظت في زيارتي هذه أن حركة العمران الكبيرة والمتنامية التي بدأت في مطلع حقبة التسعينات يساعدها في الإنجازات عنصر الوقت، وهو مهم جداً في إنشاء مشروعات الصين الاقتصادية والصناعية والإنمائية. وشدني العمل المتواصل من دون ملل أو كلل، إذ إن هناك التزاماً وإخلاصاً وجدية في إنجاز الأعمال المطلوبة في مختلف الميادين.

وكان لي لقاء مفيد وسريع مع الصديق الصيني قو ليان والذي عرفته في مطلع التسعينات من القرن العشرين الماضي، إنه مدرس للغة الإنجليزية في أحد المعاهد التعليمية وهو الآن يعمل في شركة استثمارات مالية للأوراق المالية، ويمارس لعبة الأسهم الصاعدة والهابطة في آن واحد، ويتردد كثيراً على مدينة شن غن المركز المالي والاقتصادي المرموق والذي ينافس هونغ كونغ وشنغهاي في أسواق البورصات المالية. عرفته من قبل يذهب إلى عمله بالجامعة ويعود إلى منزله مستقلاً دراجته، أما الآن فهو يسوق سيارة «أودي» صغيرة وأنيقة، وهي تجمَّع أو تصنع في مدينة شنغهاي، هذا الصرح المالي والاقتصادي والصناعي، وهو الآن مركز صناعة السيارات والطائرات، دعاني إلى غداء في مطعم صيني جميل واسع تحيط به حديقة غناء، إلا أن الشتاء القارس حوّل الأشجار إلى أغصان عارية. وتزين جدران هذا المطعم لوحات زيتية وجداريات ذات نقوش ورسوم مختلفة خلابة. وهناك أكثر من حوض للأسماك الملونة.

طلبت معه سمكاً على البخار وخضراوات، وقال إن نفسه الآن تكره تناول لحم الدجاج خوفاً من انفلونزا الطيور الذي قد ينتقل إلى الإنسان فيميته. وقال إن الصينيين لايزالون يذكرون مرض سارس وهو حي في ذاكرتهم بعد انتشاره في السنوات الماضية، وكانت له ضحايا بشرية وآثار مدمرة على الاقتصاد الوطني.

وتطرقنا إلى السنة الصينية القمرية الجديدة، إنها على الأبواب وستحل في 29/1/2006. إنها سنة الكلب ويطلق عليها أيضاً احتفالات الربيع، وظهرت في الصين أخيراً شركات متخصصة في صوغ الرسائل والأغنيات المرتبطة بالأعياد عبر الموبايل، وهل هناك أوفى من الكلب لبني الإنسان وأخلص منه؟ وقال: هل تصدق أنت الذي عشت في الصين ثماني سنوات أن ظاهرة اقتناء الكلاب وتربيتها قد أصبحت منتشرة بين الصينيين بصورة مستهجنة؟ وهناك محلات في بكين وشنغهاي وكبريات المدن الصينية الأخرى تقدم عروضاً خاصة لملابس الكلاب الغالية الثمن وكذلك أنواع طعامها المختلفة الأصناف، ولا يقبل على شرائها إلا أصحاب الجيوب المنتفخة من أثرياء الصين الجدد وهم كثر اليوم وصاروا حديث المجتمع الصيني، وبلدية بكين تفرض اليوم ضريبة مرتفعة على أصحاب الكلاب ويتضرر منها كثيراً أفراد الطبقة الوسطى الذين يهوون تربية هذه الكلاب، وان قائمة لحوم الكلاب في المطاعم الخاصة مرتفعة جداً، وهناك قائمة بأصناف هذه الكلاب وكل ما يتعلق بأصلها وفصلها وعائلتها.

وعادت بي الذكرى إلى كلبنا الوفي «مطر» الذي احتفينا به أيما احتفاء ورعاية وذلك أثناء إقامتي مع عائلتي في مجمع البحيرة الشرقية إبان التسعينات من القرن العشرين، وعندما بلغ هذا الكلب الوفي الشهور التسعة من عمره اختفى فجأة من أمام منزلنا بعد أن قضى معنا هذه الشهور، إنه ربيب عائلة دبلوماسية كانت تنعم مثله بحياة «الميري» كما يقول أهل مصر وما يكتنفها ويميزها من مظاهر الجاه والنفوذ من حشم وخدم ونعم أخرى ظاهرة وباطنة لا يعلمها إلا المتعمقون في الشأن الدبلوماسي والحكومي، وضحيتها في المقام الأول المال العام المهدور. وكان رجال أمن المجمع آنذاك مهتمين بالبحث عنه على قدم وساق.

قال مضيفي الصيني: يا لك من ساذج وطيب للغاية، إن كلبك السمين هذا، وموفور الصحة والعافية، قد قدم في وقتها على مائدة صينية وكان الطبق الرئيسي الشهي.

وفيما يتعلق بعام الكلب هذا، وهو عام قمري جديد يتزامن الاحتفال به عادة مع إقامة رقصات الصينيين في أنحاء كثيرة من المدن الصينية، إذ يستعرضون رقصة التنين مصحوبة بطبول تصم الآذان ومفرقعات مدوية حتى ساعة متأخرة من الليل، تقظ النائمين من سباتهم العميق، وعادة يتم الاحتفال بهذا العام عند منتصف ليل 29/1/2006، إذ تدخل سنة الكلب طبقاً للتقويم الصيني.

لاحظت خلال التسعينات أن كبار السن من الصينيين يخشون التعرض لمكروه أو أذى نتيجة جراء الأصوات المدوية والشظايا المتطايرة والتلوث، وعادة يطلق هذه المفرقعات الشباب والأطفال. وكانت الحكومة الصينية خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية منعت إطلاق مثل هذه الألعاب حفاظاً على راحة الناس وأرواحهم، وهناك ضحايا ووفيات لها. في هذا العام ألغت حكومة بلدية بكين هذا الحظر المفروض على استخدام الألعاب النارية، كما سرى هذا الأمر على المدن الأخرى. وهذه الألعاب هي عادة صينية قديمة مفادها أنها تطرد الأرواح الشريرة وتنشر الخير والسلام في العام القمري الجديد. كما نحصل مثل الصينيين على إجازة طويلة تصل إلى أسبوع، بينما سنتنا الهجرية نعطل فيها يوماً واحداً.

لاحظت خلال زيارتي هذه أن عدد الدراجات قد تناقص كثيراً عما كان عليه في السنوات الماضية، وصار الناس يفضلون ركوب سيارات الأجرة بسبب ارتفاع مستوى معيشتهم وزيادة مرتباتهم الشهرية، كما أن بعضهم أخذ يقتني سيارات صغيرة مستعملة، إلا أن ما يلفت النظر هو رؤية أعداد متزايدة من السيارات الفارهة في شوارع بكين. ولا أدري كيف ستواجه الارتفاع الكبير لأسعار النفط؟ والصين اليوم هي ثاني مستهلك للنفط بعد أميركا واليابان، وان مستوى دخل الفرد وصل إلى 1500 دولار سنوياً.

ولاحظت خطورة السواقة في شوارع بكين عما كان عليه من قبل، إذ إن حوادث السيارات ارتفعت خلال العام 2005، فقتل أكثر من تسعين ألف فرد على طرق ومدن الصين. وتسببت حوادث المرور في الطرقات في خسارة نحو 25 مليار دولار هذا العام، أي نحو أكثر من 1 في المئة من إجمال الناتج الداخلي الصيني. ويقول صديقنا الصيني هذا إن في بكين وحدها مليون ونصف مليون سيارة خاصة، طبعاً بخلاف سيارات النقل العام وذلك حتى نهاية العام 2005، وان من بين كل عشرة أشخاص في العاصمة شخص يملك سيارة خاصة، وان عدد سكان بكين وصل الآن إلى 15 مليون نسمة. كما أن مبيعات السيارات في الصين تضاعف في نهاية هذا العام، وأن سوق السيارات اليوم هو الأسرع نمواً مثل اقتصادها الأكثر ازدهاراً ونماءً، وان الصين اليوم تتطلع إلى منافسة كوريا الجنوبية التي سبقتها أشواطاً كثيرة في تقنية صناعة السيارات في السنوات القليلة المقبلة، كما أن كبرى شركات السيارات العالمية مثل تويوتا وجنرال موتورز الأميركية تتسابق في فتح مصالح لها في الصين، نظراً إلى انخفاض أجور اليد العاملة فيها وحسن أدائها ومهارتها الجيدة.

ذكر صديقنا الصيني أنه في مطلع التسعينات كان حلمه الذهاب إلى خارج الصين وتحديداً أميركا، وذلك مثل أقرانه الصينيين الآخرين، وقال إنه زار أميركا أخيراً ولبث فيها شهراً وذهل لارتفاع الضرائب التي تفرضها الحكومة الأميركية على المواطنين والأجانب. لقد اتخذ قراراً بالعودة إلى بلاده التي يحس فيها بالأمان والاطمئنان، وخصوصاً أن مستوى المعيشة في مدن الصين ارتفع كثيراً، وأن مستوى دخل الفرد السنوي أكثر من ألفي دولار، وأن مرتبه الشهري الآن يصل إلى ثلاثة آلاف دولار.

من ناحية أخرى، ذكر أن الكثير من الصينيين يتطلعون إلى تعزيز تعاون بلادهم مع أميركا، ولاسيما في ميدان الطاقة النووية للأغراض المدنية وكذلك للاستثمارات المشتركة في مجال إنتاج النفط الخام.

ويهم الصين استقرار منطقة الشرق الأوسط، لأن دولها هي مصدر مهم للطاقة النفطية.

وعندما تحدثت معه عن القضية الفلسطينية وضرورة حلها حلاً عادلاً يرضي الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، قال: إن هذا أمر تتطلع إليه الصين حقاً.

تُرى، هل سيأتي اليوم الذي يحسّ فيه المواطن العربي بأن بلاده توفر له العيش الكريم والأمن والاستقرار، وتعوضه عن الهجرة إلى الخارج ومخاطرها الكثيرة

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1273 - الأربعاء 01 مارس 2006م الموافق 30 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً