العدد 1272 - الثلثاء 28 فبراير 2006م الموافق 29 محرم 1427هـ

التقريع طريقاً إلى الجنة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في بداية الانتفاضة الفلسطينية، انتشرت دعوات إلى مقاطعة البضائع الأميركية، استجابت لها قطاعات كبيرة من الناس، تعبيراً عن الغضب على السياسة الأميركية المتعجرفة في دعم العدو الصهيوني الذي يقتل أهلنا في فلسطين. في تلك الفترة، كتب أحد شبان منطقتنا على جدار قريب: «شارب البيبسي كشارب الخمر». ولم يسأله أحد هل هي فتوى شرعية أم رأي فقهي أم عبارة مرت برأسه فاستحسنها ونشرها للناس.

لا شك ان كاتب العبارة شاب لم يتجاوز الثامنة عشرة، ولا شك انه كتبها بحسن نية، ومع ذلك تبقى العبارة فجأة، منفلتة، وجافة إلى أبعد الحدود. وسيظهر الشطط فيها لو عرضناها على المنطق الديني والإنساني والأخلاقي.

هذا على مستوى شارع أو قرية، فكيف إذا مورس هذا السلوك على مستوى 20 مدينة أو قرية، تضم عشرات أو مئات الآلاف من أبناء هذا الوطن؟ والشطط سيصبح أكبر إذا مارسته وسائل الإعلام المكتوبة، من تقريع و«تعيير» ولمز وطعن في مواقف الناس واستهانة بالجمهور العريض، وتوزيع الاتهامات عليهم بالمجان... كل ذلك من أجل فرض «أجندة خاصة» أو «رغبة نفسية» لهذا الكاتب أو ذاك. ولإشباع هذه الرغبة الفردية المتطرفة، يتعين على 9 جمعيات إسلامية، و15 صندوقاً خيرياً، أن تنشر إعلاناً مدفوع الأجر للتعبير عن موقف سياسي معين، وإلا فكل هؤلاء المواطنين خونة للدين والمذهب والوطن!

لن نناقش في حق كل منا في التعبير عن موقفه بصورة سلمية محترمة، مادام عن قناعة وإيمان، ولا يمس بالسلم الأهلي. أما حشر الناس في الزاوية لاتخاذ موقف ما، عن طريق السوق العنيف، فهو ظاهرة جديدة بكل تأكيد، لم تجدوها قبل عام أو عامين، انما برزت حديثاً مع زيادة الهيجان الطائفي في المنطقة، والرغبة المرضية لدى الأطراف المحلية في استيراد الشرر من الساحات الأخرى الملتهبة.

إحصائياً، لو كان «أعضاء» كل جمعية 500 شخص، و«أعضاء» كل صندوق 1000 شخص، لكنا أمام كتلة بشرية تقارب 20 ألف إنسان، يجري مخاطبتها بلغة غير مهذبة، وغير لائقة، وغير عصرية. ولا يبرر ذلك انتماء الكاتب إلى الطائفة نفسها ليستبيح كرامة أفرادها، حتى لو كان الهدف مقدساً، على أحسن الفروض.

وعلى أساس من الاصطفاف الطائفي نفسه، يجري «تعيير» وإدانة كل تجار هذه الفئة أو تلك (ماعدا تاجر واحد فقط!)، واتهامهم بالبخل أو غيرها من الصفات التي يأباها المرء لنفسه أو لمواطنه أو لجاره، من أي مذهب كان. فالغاية لا تبرر الوسيلة، ودفع الناس إلى عمل الخير لا يتم عن طريق تقريعهم والاستنقاص منهم أو المس بكرامتهم، فتلك أبعد ما تكون عن الخلق الرفيع.

القرآن عندما يحث الناس على فعل الخير، فانما يبشرهم بجنات عرضها السماوات والأرض، أما هؤلاء المتشنجون فيقرعون البشر كما يقرع أطفال المدارس الابتدائية، فيحملونهم كرهاً على الدفع أو اتخاذ موقف سياسي كرهاً، فتضطر الجمعيات والصناديق الخيرية والتجار وغير التجار، إلى الاستجابة لرغبات هذا الكاتب أو ذاك، فمن ذا الذي يقبل التشكيك في دينه واتهامه بالنواقص والمذمات

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1272 - الثلثاء 28 فبراير 2006م الموافق 29 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً