خلال فترة لم تتجاوز 24 ساعة، وبعد مضي ما يزيد عن أسبوعين عن أول هجوم شن على صحيفة «الوسط»، أعاد تلفزيون البحرين بث ذات الحلقة الخاصة التي أعدها برنامج «الراصد»، بشأن صحيفة «الوسط»، والتهم التي وجهت إليها. ليس القصد هنا الخوض في حيثيات القضية، التي هي الآن أمام إحدى محاكم البحرين التي نثق في نزاهتها، ولا يساورنا أي شك في أن تأخذ العدالة مجراها، ومن ثم فنحن موافقون على الالتزام بالصمت حتى يقول القضاء كلمته العادلة. لكن من حق صحيفة «الوسط» ان ترفع علامة استفهام كبيرة وتبث هواجسها، فيما يتعلق بالأهداف التي تقف وراء إعادة الحلقة ولأكثر من مرة، وآخرها في القناة 55. ولابد لنا من الإشارة هنا إلى ثقتنا في موقف، وسياسة رئيس هيئة شئون الإعلام الشيخ فواز بن محمد آل خليفة من «الوسط»، والذي أكد في أكثر من مناسبة أن ليس لدى الهيئة أي شيء ضد «الوسط»، وانها بالنسبة للهيئة تقف على قدم المساواة، مع زميلاتها من الصحف البحرينية الأخرى.

أخذا في الحسبان كل ذلك، يمكن أن نلخص أهم تساؤلات «الوسط» وهواجسها في النقاط التالية:

1. هل هناك سوء فهم وضع «الوسط» في خانة سياسية غير خانتها، وألبسها حلة غير حلتها، وبالتالي تدفع «الوسط « اليوم ضريبة حرب وهمية ليست هي مسئولة عنها، ولا عن ذيولها. وأكثر من ذلك، هل قادت الأحداث الأخيرة التي عرفتها البحرين «الوسط» إلى منطقة تبادل النيران بين جيشين متقاتلين، فأصبحت «الوسط»، بدون وعي، ولا قرار منها في مرمى نيران الأطراف المتصارعة، وعرضة لخطوط نيرانها، الأمر الذي جعلها تتبوأ أخطر المواقع، وأشدها خطورة.

2. هل هناك استقصاد لـ «الوسط» من قبل الجهات الرسمية، وعلى وجه التحديد من هيئة شئون الإعلام، بوصفها الجهة الرسمية ذات العلاقة بصحيفة «الوسط» ومن خلال قناة غير مباشرة هي هيئة الإذاعة والتلفزيون؟ يسقط هذا الاحتمال، حيث لم تلمس «الوسط» من الشيخ فواز إلا كل خير وموقف إيجابي، قولا وفعلا. بل إنه حتى بعد ما بثته «هيئة التلفزيون» في برنامج «الراصد»، لم يصدر عن الشيخ فواز ما ينم عن موقف سلبي من «الوسط»، ومن هنا فنحن نفترض سلفا أنه لا يحمل أي شيء ضدها، ونبرئه مما لحق بالوسط من تشويه للسمعة «براءة الذئب من دم يوسف».

3. هل هناك من له مصلحة مباشرة في التضييق على «الوسط» حتى ينفد صبرها وتستهلك قواها في معارك جانبية غير مهنية، تقود إلى إزالة «الوسط» من السوق البحرينية. وهنا لابد لنا من التأكيد على أن «الوسط»، وهي تفتخر بنكهتها السياسية الخاصة التي تميزها عن شقيقاتها من الصحف المحلية الأخرى، إلا أنها تؤكد ثقتها بأنها تتكامل معها. فلكل منها - كما ترى الوسط - شخصيتها المستقلة. وتشكل هذه الصحف جميعها، ومن بينها «الوسط» باقة ورد إعلامية، لا يمكن نزع واحدة منها، دون تشويهها، الأمر الذي يؤكد تمسك «الوسط» بمبدأ ضرورة تكاتف قواها جميعا للدفاع عن أي منها عندما تواجه أي مشكلات من نمط التي واجهتها «الوسط».

4. هل يقصد من مثل هذه الحملة على «الوسط» إثارة الرعب في صفوف المستثمرين فيها، من خلال المس بمصداقيتها والطعن في مهنيتها وحرفيتها، ووضعها في مواقع تصورها وكأنها في حالة عداء مستحكم مع السلطة، فيصبح من له أي شكل من أشكال العلاقة مع «الوسط» كمن يناهض السلطة ويتحداها، ويخرج على القانون ويكسر هيبته، ويستحق، بالتالي، إباحة دمه، كي تصبح «الوسط»، في نهاية المطاف، ظاهرة منبوذة يخشاها الجميع، بمن فيهم من وضع الثقة فيها كأداة سياسية، أو استثمر فيها كمشروع تجاري.

5. هل تكون «الوسط» هي كبش فداء معركة أكبر بين قوى لا تنتمي «الوسط» لأي منها، لكنها وجدت جميعا أن «الوسط» هي الخاصرة الرخوة الأكثر ليونة عند كل واحدة منها، ومن ثم تحولت «الوسط» مرغمة، وبدون وعي منها، إلى المنطقة الأكثر حساسية التي تفتح شاهية رماة الأسهم، الذين راحوا يتنافسون على من منهم ينجح في إصابته بسهمه قبل الآخرين، كي يفوز بقصب السبق، ويتوج، بعد إصابتها، قبل الآخرين.

هذه التساؤلات ترفعها «الوسط»، وتلك الهواجس تبثها، ليس دفاعا عن النفس، ولا من زاوية الخوف، بقدر ما هي أجراس تقرعها «الوسط « اليوم كي تنبه الجميع إلى احتمال أن يواجه أي منهم - لا قدر الله - في المستقبل ما تواجهه «الوسط» اليوم. ولربما كان من المفيد هنا استحضار الرواية الشعبية التي تتساءل متى قتل الثور الأبيض؟ فكان الجواب: لحظة سمح بقتل الثور الأسود. قد تقف «الوسط» اليوم وحيدة في المعركة، وقد يكثر المتفرجون، ويفوقهم عددا الشامتون، لكن على من يجلس في كراسي المتفرجين، او يقف بين صفوف الشامتين ان يعي جيدا أن المصير الذي تواجهه «الوسط» اليوم يشكل سابقة تسهل على من لديه مصلحة في وأد «الوسط» او إسكاتها، ممارسة ذلك مع كل من يحاول ان يرفع صوته في المستقبل. ومن ثم فليس هناك أفضل من تكاتف الجميع كي تخرج «الوسط» من هذه المعركة منتصرة، ففي استمرارها استمرار للصحافة البحرينية، وهزيمة لكل من تسول له نفسه إلحاق الهزيمة بها