الوسط - علي نجيب
يرى المشاهد في فيلم الرديء: الجهد العالي (Crank: High Voltage) قصة مستوحاة من لعبة الفيديو الشهيرة (BULLY) أو (المتنمر)، وهي لعبة اشتهرت منذ فترة بين الألعاب العنيفة، والتي تصور فتى يتم نقله لمدرسة داخلية بسبب سوء خلقه وتصرفاته الصبيانية المتوحشة، وتدور بعد ذلك اللعبة في فلك تلك المدرسة من تدبير هذا الطالب للمقالب وافتعاله للمشاكل، وتصارعه مع الأساتذة والطلبة وهروبه المستمر منهم.
الترابط كان واضحا بين اللعبة والفيلم من خلال عوامل مختلفة، منها الموسيقى التصويرية التي استخدمت بوضوح في الفيلم، والتي كانت هي ذاتها المستخدمة في اللعبة، إلى جانب أسلوب التصوير الذي كان قريبا جدا من ألعاب الفيديو، وظهور عبارات مختلفة عبر الشاشة، وكأنما المشاهد يمارس اللعبة، وتستوقفه عبارات إرشادية ورموز توضيحية.
إضافة إلى ذلك، وهو ما سنجده خلال استعراض الفيلم لمرحلة الطفولة التي مر بها الممثل «جيسن ستاثم» (Jason Statham) الذي أدى دور «شيف شيليوس» (Chev Chelios)، وهو القاتل ذو الدم البارد كما وصف في الفيلم، والذي يتضح أنه، وبعد سقوطه من طائرة على الأرض أن عصابة قامت بخطفه، وإخضاعه لعملية استئصال لقلبه الحقيقي، واستبداله بقلب صناعي يعمل على الطاقة الكهربائية.
يستيقظ «شيليوس» من غيبوبته وهو في وسط العملية غير مدرك لما يدور حوله، فيما الجراحون في ذلك المكان الصيني يرفعون قلبه النابض من وسط جسده، ويضعون القلب الميكانيكي.
يدرك بطل الفيلم أن الجراحين لا يزالون بصدد القيام بالمزيد من جراحات الاستئصال، للاستفادة من أجزاء أخرى من جسده، إلا أنه بعد إدراكه للأمر، يثور هاربا من المكان الذي احتجز فيه، ويتمكن من خلال الضغط على أحد أفراد العصابة من معرفة الشخص الذي يملك قلبه الحقيقي، وهو «جوني فانغ» الذي يؤدي دوره الممثل «آرت هسو»، فيتوجه إلى مكان تواجده في أحد نوادي الدعارة، ويبدأ من هنا الفيلم في توضيح ما للبطل من قدرات جسمانية خارقة في تحطيم وترويع كل من في ذلك النادي، رغم أنه لم يتمكن في النهاية من الوصول إلى «جوني فانغ» الذي يلوذ بالفرار، ما يدفع إحدى فتيات الهوى الموجودات في ذلك المكان، والتي تتعلق بالبطل لمساعدته إياها في الخلاص من أحد الرجال في مساعدته للوصول إلى مكان تواجد العدو.
هنا تتداخل على المشاهد بعض الأساليب الإخراجية المقاربة من ألعاب الفيديو، وذلك من ظهور خرائط توضح الوجهة التي سيتوجه لها «شيليوس»، والتي أعطت طابعا بتفاهة العمل وتوجهه نحو فئة صغار السن أكثر من كونه فيلما يتطلع نحو النجاح في أوساط الشرائط السينمائية التي تنتج سنويا، إلى جانب وجود كثير من مشاهد الحياة الصاخبة واللعب والمجون بغير سبب في الفيلم، وهو ما ظهر في النقطة الثانية من خط سير البطل، الذي ذهب إلى أحد نوادي الرقص، ليلتقي صديقة قديمة له، كانت تظن أنه توفي بسبب حادث الطائرة، والتي تمارس الرقص المدفوع في ذلك النادي، إذ يتضح خلال الثواني التالية أن العصابة التي سرقت قلب «شيليوس» موجودة في المكان نفسه، ويدور بينهم وبينه تبادل لإطلاق النار، يفر منه البطل وصاحبته إلى قبضة رجال الشرطة.
هنا يجب ذكر أمر مهم ومحوري في قصة الفيلم، وهو أن قلب «شيليوس» الصناعي يعمل بالطاقة الكهربائية، ووجود بطارية خارج الجسم يحملها معه هو وسيلة عمل هذا القلب، ومع فقده لهذه البطارية يسعى للتزود بالطاقة من أي مصدر كهربائي، ينعش قلبه ويعيد له نشاطه وقوته، وهو ما يظهر بين مشهد تم شحنه فيه من خلال بطارية سيارة، ومشهد آخر حينما حاول رجال الشرطة صعقه بآلات الصعق، والتي أعادت له نشاطه مجددا بعد أن امتلأ قلبه بالطاقة الكهربائية.
تدور في الدقائق اللاحقة عدد من الأحداث، والتي تتم كلها وفق أسلوب المهمات في ألعاب المغامرات، إذ ينتقل «شيليوس» من مكان إلى آخر بحثا عن قلبه المسروق، ويمر بعدد من المواقف التي يحتاج فيها إلى التزود بالطاقة، فيستعين بموزعات الكهرباء وأشياء مختلفة، حتى أنه يلجأ لتطبيق مبدأ الاحتكاك الذي يزود بالطاقة الكهربائية.
يصل بك الفيلم إلى لحظة يتمكن فيها البطل من القبض على «جوني فانغ»، الذي يتضح أنه لا يحمل القلب في تلك الحقيبة التي لازمته طوال الجزء الأول من الفيلم.
هنا يعود فرد آخر من العصابة للظهور وقتل «جوني فانغ» والقبض على «شيليوس»، بعد ضربه على مؤخرة رأسه ورميه في صندوق السيارة.
وهنا يعود بك الفيلم فيما يشبه الـ «فلاش باك» لذكريات طفولة «شيليوس» التي هي إن صح التشبيه تفاصيل وفكرة لعبة الفيديو «BULLY» نفسها، إذ يسرد البطل فترة من طفولته حينما كان فتى شقيا، يسرق ويمارس العنف في المدرسة والشارع وحتى مع أسرته.
يفيق بعدها البطل ليجد نفسه مع عدو قديم، قام «شيليوس» بقتل شقيقه، والذي يظهر السبب الحقيقي من وراء كل الأمور التي تدور معه طوال الفيلم بدافع الانتقام، فتتسارع الأحداث في تلك اللحظة حينما يتداخل مع الأحداث عدد من الشخصيات التي مر عليها «شيليوس» طوال الفيلم للدخول في المعركة، قوامهم عاهرات وشواذ، وهو ما بدا غريبا من هذا التقاطع المفاجئ في الرغبة في الانتقام من الشخص نفسه الذي يحتجز «شيليوس»، الذي يزحف خلال آخر لحظات الفيلم بعد أن فرغت بطارية قلبه ليحتضن محولا للطاقة الكهربائية، ويحترق بعدها منهيا الفيلم دون أن يتمكن من استعادة قلبه.
في محصلة هذا الفيلم الغريب نوعا ما، نجد أن الإنتاج السينمائي لا يزال يغطي دوره الذي طالما انتقده فيه التربويون وعلماء النفس والاجتماع في ترغيب النزعة للعنف لدى الشباب والأطفال، وهو الدور الذي يتشاطره مع ألعاب الفيديو التي تقوم على المهمات، والتي باتت التكنولوجيا الحديثة تصورها بشكل رائع قريب للواقعية، ما يجعل اللاعب يتأثر شيئا فشيئا من كل تلك الأمور، وتتغير سلوكياته مع الوقت للتوجه نحو ممارسة العنف في المجتمعات المحيطة به.
لم تكن في الفيلم تلك القيمة الفنية الكبيرة، ولم يكن في قصته الشيء المثير للاهتمام، إلا أن نوعية من الأفلام لا تهدف إلى شيء، لا يمكننا أن نغفل أثرها على ترسيخ بعض المشاهد الدامية ومشاهد الدعارة والسرعة والسلوكيات البذيئة، وخاصة إذا ما كان بطل الفيلم ممثلا متميزا وذا شعبية كبيرة مثل «جيسن ستاثم».
العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ