العدد 3148 - الأربعاء 20 أبريل 2011م الموافق 17 جمادى الأولى 1432هـ

لئلا يصاغ جيلٌ كاملٌ من عجين الكراهية

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

سياسياً قد تنفرج الأزمة في البحرين حاضراً أو مستقبلاً، ولكن هناك وجوهٌ إنسانية واجتماعية وهناك قصص كثيرة للمأساة ستبقى راسخة في الذاكرة والوجدان، ولا يمكن محوها بسهولة، وستبقى آثارها تحاصرنا في كل يوم، لذلك فإن الحاجة ماسة للتفكير في شكل مجتمعنا القادم.

أي مجتمعٍ سنواجهه ويواجهنا بعد أن تضع الأزمة أوزارها؟!

حينما تكون الحياة عفوية بلا مضادات الحقد نشعر بقيمة إنسانيتنا... كنت أستبشر بالذهاب في الصباح الباكر الى مدرسة أبوبكر الصديق ومعلمي المفضل كان سنياً وفي طريق العودة كنت أمر على بقالة صغيرة لمسن (عجمي) لشراء الصبار الهندي بنكهة مميزة، أعود الى منزلي لأصلي وأخرج مجدداً لشراء رغيف الخبز من خباز (هولي) يقابلني أصحابه بوجوه بشوشة، وفي عودتي أقابل عجوزاً شيعياً علمني التسامح... هؤلاء كلهم كانوا في يومياتي، لم نكن نشعر الا بالسعادة معهم.

وأسعفني الصديق جعفر المدحوب بقصة جميلة من وحي تلك العفوية التي كانت تميز آباءنا وأجدادنا» ذكّرتني يا حيدر بوالدي رحمه الله في دكانه بسوق المنامة، مجتمع سوق المنامة مجتمع تعددي كوزموبوليتي بامتياز، يعيشون كأسرة واحدة: البحراني والعجمي والهولي والسني العربي والهندي، باعة ومشترين... كنت معه صبياً صغيراً وأرى أصدقاء من كل «الأرناق» والأشكال يأتون للدردشة معه و»السوالف والقشمرة»... تعجبت وسألته مرةً عن سرّ علاقته الحميمة برجل سلفيّ، قال لي: هذا رجل طيب يزورني لنعرُص معاً (أي نتضاحك ونمزح)... حقاً كان آباؤنا أكثر تسامحاً وانفتاحاً وتعايشاً وإنسانيةً منا».

سيكون من المفيد معرفة النقطة التي يمكن الانطلاق منها لحل الأزمة الحالية في هذا المنعطف التاريخي الذي يمر به وطننا ومجتمعنا، ذلك لأنها أزمة سيا - اجتماعية، ولم تعد كما يتصورها البعض أزمة سلطة ومعارضة، انها أضحت أعمق بذلك بكثير.

أكثر ما أخشاه هو مستقبل أطفالنا، سيصاغ جيل كامل من عجين الكراهية والحقد ان لم نتدارك الأمر!

البحرين كانت أجمل بكثير، وكان الناس يقضون أجمل أوقاتهم معاً ومن دون أزمة ثقة متبادلة... وما كان يميز هذا المجتمع هو سمة التواصل على الدوام، وكانت القلوب أكثر رحابة من المجالس، والتواصل شعار جميل وكان بالفعل شعاراً من وحي المجتمع. هل ياترى نستطيع أن نفعل التواصل عادتنا مجدداً، لا يعني ذلك القفز على الجراح وانما اخراج المجتمع من أتون مستقبلٍ قاتم.

ولأن التاريخ يمنحنا فرصة استلهام العبر من الأزمنة والأمكنة، فلنا في لبنان عبرة في حربه الأهلية الطاحنة، ووسط أزيز الرصاص خرج امامٌ عابرٌ للطوائف ليعلن رفضه لصوت السلاح ولقتال الأخوة - الأعداء انه الامام المغيب موسى الصدر الذي قرر الاعتكاف في مسجد العاملية احتجاجاً على الفتنة في لبنان العام 1975.والمؤثر أن جميع فرقاء الحرب جاءوا الى الامام لثنيه عن الاعتصام المفتوح. ووجه الامام خطاباً لزعماء الطوائف والبنادق قائلاً:

واليوم، والفتنُ تفشَّت في الوطن والمواطنين، بل تهدد المنطقة بأسرها، وبعد أن أصبح الوطن هو المحروم الأول، رأيتُ أن الحوار لا ينفع وأنَّ الآذان لا تسمع، وأنَّ الضـمائر تحتاج إلى ضمائر تهزها، وإلى مناشدةٍ تؤنّبها، ورأيتُ أنَّ الوطن بحاجةٍ إلى شيءٍ أقوى من السلاح، وأكثرُ حرمةً من الكلمة، وجدتُ نفسي في طريق المسجد للاعتكاف... فلجأتُ إلى بيت الله، مستمداً منه القوةَ والعون، وسـأبقى في حالة الاعتكاف، إلى أن تتجاوز البلادُ الأزمة، وإلى أن تخرس أصوات المذابح».

(الإمام موسى الصدر - بيروت 1975 )

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 3148 - الأربعاء 20 أبريل 2011م الموافق 17 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً