المصلى - حبيب حيدر
«نشرت صحيفة الحياة اللبنانية في العام 1953 إعلانا يفيد بأن البحرين في حاجة إلى مدرسين والمقابلة في المجلس الثقافي البريطاني في رأس بيروت فذهبت... ووقعت عقدا براتب (350 روبية).... وحين دخلت سوق البحرين كان الناس يقولون لي: (أستاذ إذا لم تكن لديك بيزات يمكن أن تدفع تالي وإذا كنت تحتاج للبيزات فنحن بالشوفة)... تصوروا كم كان لهذه الكلمات من وقع في نفوسنا، ... وكنت مشرفا إداريا في مبنى الثانوية وكان صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حينها طالبا في مدرسة المنامة الثانوية».
هكذا سرد المعلم أبو نبيل محمد علي رباح مشواره في الحياة في الملتقى الأهلي الثقافي منتقلا من فلسطين إلى البحرين، وكان في كل حين يستذكر غير واحد من الأدباء والمثقفين البحرينين ممن مروا عليه في صفوفه وكانوا من تلامذته النجباء من علي عبدالله خليفة إلى إبراهيم بوهندي وعلي الشرقاوي وغيرهم.
بدأ أبو نبيل يسرد مشواره بقوله: «ولدت في العشرينيات في قرية حطين ذات التاريخ لمجيد، ونشأت في بيئة عربية إسلامية تقدّس العادات والتقاليد وتغرس في نفوس أبنائها الأخلاق الفاضلة وكانت مجالسنا الفلسطينية بمثابة جامعة اجتماعية يتخرج منها الشاب عالما بأصول الدين والدنيا والعادات والتقاليد والشهامة والمروءة وحب الناس واحترام الصغير والكبير وكرم الوفادة».
وأضاف أبو نبيل «لما بلغت سن التاسعة في العام 1936 كانت الثورة الفلسطينية على الإنجليز والصهاينة اليهود على أشدها، وقد كان والدي الجليل علي صالح الرباح ضابط ارتباط بين القيادة الميدانية في منطقة لواء الجليل وبين قيادة الثورة العليا الموجودة في دمشق آنذاك... وكنت أشاهد الرجال من المجاهدين الأبطال يطرقون باب بيتنا فيما بعد الساعة الواحدة ليلا فيقدم لهم الوالد يرحمه الله الطعام وأنا جالس يشدني منظر هؤلاء الأبطال ولباسهم الخاكي وسلاحهم، فأشعر بالعزة والفخار وبعدما ينتهوا من أحاديثهم وطلباتهم يغادروا البيت نحو الساعة الرابعة صباحا... فكان يطلب مني والدي أن أذهب للنوم بحضورهم فأرفض رفضا قاطعا».
ويتابع «ثم جاء العام 1948 (عام النكبة) فتشرفت بحمل السلاح تحت لواء قوات الجهاد المقدس التي شكّلها الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة الشهيد البطل عبدالقادر الحسيني شهيد معركة القسطل يرحمه الله. وفي هذه الفترة كنت والوالد نقاتل جنبا إلى جنب. ثم كانت نكبة فلسطين التي ساهم فيها مساهمة مباشرة كل من: بريطانيا العظمى والدول العربية السبعة آنذاك ممثلة بما يسمى بـ (جيش الإنقاذ) الذي يقوده فوزي القاوقجي».
وعن بداية مشواره في التدريس بمخيمات اللاجئين يقول: «لجأنا إلى لبنان لأنها الأقرب إلينا جغرافيا كما لجأ غيرنا إلى سورية وآخرون إلى الأردن، وأناس إلى غزة أو إلى مصر والعراق واستقر بنا المقام في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا... فجاء الصليب الأحمر الدولي وقام بفتح مدرسة في المخيم وكنت أحد مدرسي هذه المدرسة... وبعد فترة تسلمتنا الأمم المتحدة إشرافا كاملا على جميع اللاجئين وأشرفت على المدارس اليونيسكو. إذ عقدت لنا اليونيسكو دورتين تربويتين في مصيف بحمدون بلبنان في الإجازة الصيفية للمدارس في عامي 1951 و1952 فكان يحضر في نهاية كل دورة المربي الكبير الأستاذ أحمد العمران طيّب الله ثراه ويعرض علينا العمل في مدارس البحرين قائلا: إننا ندفع راتبا للمدرس مقداره (150 روبية أساسي + 50 روبية علاوة عمل)... وفي زيارته الثانية العام 1952 قال: أصبحت الرواتب لدينا (200 روبية أساسي + 50 روبية علاوة) ولم يناسبنا هذا العرض لأن راتبنا في تلك الفترة كان (160 ليرة لبنانية بينما سعر الروبية 60 قرشا لبنانيا)».
وأضاف أبو نبيل «وفي العام 1953 نشرت صحيفة الحياة اللبنانية إعلانا يفيد بأن البحرين في حاجة إلى مدرسين والمقابلة في المجلس الثقافي البريطاني - رأس بيروت فذهبت وقدمت طلبي وبعد المقابلة بأسبوع وصلتني برقية من الأستاذ أحمد العمران يرحمه الله مفادها: أن أحضر للتعاقد... فوقعت عقدا براتب مقداره (350 روبية) لأن هذا الراتب أصبح يزيد على راتبنا في اليونيسكو...
وكان من حسن الطالع أن وطأت قدماي أرض البحرين الحبيبة بتاريخ 27 سبتمبر/ أيلول 1953 وحملتنا سيارات التربية والتعليم إلى (دار الضيافة التابعة لها) ويسمونه الـ hostel وكان هذا الـ hostel يستقبل أبناء الخليج لينزلوا فيه ويتعلموا بمدارس البحرين مجانا.
بعد فترة وجيزة عينت بمدرسة الهداية الخليفية لمدة عام واحد 53/ 1954 نقلت بعدها إلى المدرسة الشرقية (في رأس الرمان) لمدة عام واحد 54/ 1955 نقلت بعدها إلى المدرسة الغربية (مدرسة أبوبكر الصديق حاليا) ومكثت فيها أربع سنوات».
ويتابع «نقلت بعد ذلك إلى مدرسة المنامة الثانوية للبنين وكنت مشرفا إداريا لمبنى السنة الثانوية الأولى ومكثت فيها أحد عشر عاما وكنت قائدا لفرقتها الكشفية. حينها كان جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة طالبا في مدرسة المنامة الثانوية في عامي 62/ 1963 و 63/ 1964م. ونقلت فيما بعد إلى مدرسة جدحفص الثانوية الصناعية وعُينت سكرتيرا للمدرسة ومكثت فيها 9 سنوات. ثم نقلت إلى مدرسة مدينة عيسى الثانوية للبنين ومكثت فيها 9 سنوات حيث أحلت إلى التقاعد في نهاية العام الدراسي 87/ 1988 وقد كرّمتني إدارة المدرسة بما يليق. بعد إحالتي إلى التقاعد عملت في سفارة دولة فلسطين في يناير/ كانون الثاني 1989 وماأزال في عملي حتى الآن».
ويستذكر أبو نبيل لحظات وصوله للبحرين فيقول: «حال وصولنا إلى البحرين بدأنا نتردد على أسواق الخضراوات واللحوم والفواكه والسمك... لمسنا من الباعة ما أثلج صدورنا حيث كانوا يقولون لنا: (أستاذ إذا لم تكن لديك بيزات يمكن أن تدفع تالي، وإذا كنت تحتاج للبيزات فنحن بالشوفة) تصوروا كم كان لهذه الكلمات من وقع في نفوسنا».
العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ