راحت تتأمل... ابني في الخامسة والعشرين وليس هناك أنسب من سارة لتكون رفيقة دربه. فتاة جامعية في مستهل حياتها العملية متوّجة بحلو الشمائل، وجمال الطباع، والهدوء. لقد شاهدها مراراً أثناء زيارات أمها لنا وأثناء اصطحابي له لبيتهم ولاشك أنه سيسعد باختياري لأنها خير من يصلح له. وراحت تسبح في فضاء بهي مرصع بالأنوار والزهور والحور الحسان وهي ترى فلذة كبدها في بدلته السوداء وحلته الأنيقة متقلداً يد سارة التي تشع جمالاً بفستانها الرائع المتدلي وهما يمشيان الهوينى ومن خلفهما ملاك صغير يحمل طرف الفستان وسط شدو الموسيقى وزغاريد النساء وجلواتهن.
وفي المساء بينما هو يشاهد التلفاز في هدوء ويتلذذ بارتشاف الشاي، جاءت اليه... أود أن أتحدث معك قليلاً ياعلي.
- خير يا أمي.
- ما رأيك في سارة؟
- أي سارة تقصدين؟
- ابنة صديقتي ليلى.
- رأيي فيها، في ماذا؟
- أن نخطبها لك؟
- قلت لك ألف مرة أنا لا أفكر في الزواج الآن.
- لقد حان الوقت يا ولدي ونريد أن نفرح بك.
- أرجوك، لا تفتحي هذا الموضوع مرة ثانية.
- لماذا؟
- لأنني أريد أن أستمتع بالعزوبية ولا أدخل القفص منذ الآن.
- إنه ليس قفص، بل جنة سوف تستمتع بها كثيراً.
- أصدقائي دائما يتذمرون من مشاكل الزواج ومن القيود التي تفرضها زوجاتهم عليهم.
- إنهم لا يفهمون الحياة الزوجية ولا يدركون حقوقهم وواجباتهم.
- ثم إنني غير مستعد الآن.
- سيتكفل والدك بكل شيء، ابتداء من المهر وحتى النفقات الأُخرى، كما أن لديك شقة جاهزة تحت تصرّفك.
- ومع ذلك أنا لا أريد الزواج.
- ليس هناك داعٍ للتأخير يا ولدي. حينما تتزوج ستدرك بأن الحياة أجمل وأمتع من قبل. الزواج سيحفظك من الشرور وسيجعلك تنظر إلى الدنيا بمنظار أوسع. ستكون لك أهداف أكبر وستشعر بالمسئولية. ثم ان سارة فتاة خلوقة وناضجة وتتمناها كل أم عروساً لابنها وسوف تعينك على أعباء الحياة . هذا هو رأيي، إلاّ إن كنت مرتبطاً بفتاة أُخرى أو في بالك فتاة غيرها.
- لست مرتبطاً بأحد لكني أشعر بأن زواجي لايزال مبكراً.
- أنت الآن في السن المناسب. توكل على الله ياولدي وسوف يفتح أبواب الدنيا أمامك.
- سأفكر في الموضوع وأرد عليك.
بعد أيّام اختمرت الفكرة في رأس علي واقتنع بها فاتصلت الأم بصديقتها التي تهللت فرحاً واتفقتا على أن تزور الأم والولد البيت ثم يجلس الشاب مع الفتاة بمفردهما للتعارف. هي صديقتها القريبة جداً إلى قلبها، بل أعزّ صديقاتها، تعود صداقتهما إلى فترة الطفولة والدراسة بنفس الفصل لعدة سنوات. كانت تشاركها في همومها وتبوح لها بأسرارها ومازالت كذلك حتى اليوم. تعرف خصال بناتها واحدة واحدة وتدرك بأن سارة هي البنت المثالية.
في الموعد المحدّد كانت الأم تدق جرس الباب بصحبة ابنها، ومعهما الهدية، فاستقبلتهما أم سارة بكل ترحاب وجلستا في الصالة. وما هي إلا دقائق قليلة حتى انضمت البنت إليهم. وبعد القيام بواجب الضيافة والحديث الاعتيادي قالت صديقتها: عزيزتي أم علي، نحن صديقتان حميمتان منذ سنوات طويلة ويشرفني أن تكون ابنتي زوجة لابنك، إلاّ أن موضوع الموافقة، كما تعرفين، يخصهما هما الاثنان، وهو متروك لهما لكي يقررا ذلك. أتمنى من كل قلبي أن يتفقا على الزواج لكن لا سمح الله، في حالة عدم الاتفاق أو عدم رغبة أي طرف في الارتباط، فأرجو ألاّ تتأثر علاقتنا.
- نعم حبيبتي، أنا أدرك ذلك جيداً وأنت تعلمين أن مكانتك عندي غالية جداً وسوف لن تتأثر صداقتنا إن شاء الله، لكن دعنا نتفاءل بالخير.
- وأنا أيضاً متفائلة. والآن لنترك الشابين لوحدهما.
جلس علي مع الفتاة يتجاذبان أطراف الحديث. خاضا غمار البحر, سبحا فيه، سبرا غوره، غاصا في أعماقه، نقبّا عن لآلئه ودرسا أهواله، وبعد ساعتين خرجا وهما مبتسمان.
- شرفتمونا بزيارتكم .
- بل نحن لنا الشرف بلقياكم.
تسترجع أم علي هذه الذكريات وهي تتسلم بطاقة الدعوة لحضور حفل خطوبة سارة في مساء الخميس القادم. كانت تتمنى أن تكون هذه الفتاة شريكة حياة لابنها لكنها القسمة والنصيب
العدد 3148 - الأربعاء 20 أبريل 2011م الموافق 17 جمادى الأولى 1432هـ