تتعالى اليوم في شوارع البحرين وأزقتها وبيوتها صرخات تُحذّر من مغبة التداعيات السلبية التي ستتركها الأحداث الأخيرة على الاقتصاد البحريني، وتنذر، في الوقت ذاته، بما سوف تعانيه المؤسسات الاقتصادية في القطاعين الخاص والعام، من تراجعات في الإنتاج، المترافق مع كساد في البيع أو الخدمات، جراء الشلل الذي أصاب العديد من المرافق، وانعكست آثاره سلباً على الاقتصاد بشكل شامل. لدى هؤلاء المحذرين، كل الحق في إرسال مثل تلك الإشارات المنذرة بالأخطار المتربصة بمستقبل البحرين الاقتصادي، فما مرت به البلاد خلال أسابيع الأحداث الأخيرة لا يمكن أن تتحمله الاقتصادات الكبيرة، فما بالك باقتصاد محدود الإمكانات، متواضع المصادر، متواضع الإيرادات، مثل الاقتصاد البحريني. على أن التخريب الاقتصادي، تتقزم آثاره السلبية عندما يقاس، بالتشويه الاجتماعي الذي يمكن أن تقود له التداعيات التربوية التي باتت تجتاح الكثير من مدارس البحرين الرسمية. فأساليب إنعاش الاقتصاد وإخراجه من أزماته، أهون بكثير من تلك التي نحتاجها لانتشال أبنائنا من غول الطائفية الذي بدأ ينهش عقولهم، وأمراض الطائفية التي أخذت في التسرب إلى سلوكهم، والأوبئة التي باتت تسكن في مخيلتهم.
ليس هناك من يساوره أدنى شك في معاداة المربين التربويين البحرينيين الأفاضل، وفي المقدمة منهم سعادة وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي، للطائفية بكل أشكالها، ومن أية فئة أتت. ولا يوجد بيننا من بوسعه أن يطعن في حرصهم الشديد جميعاً، ودون أي استثناء على أن تبقى مدارس البحرين، ومن ثم أبناؤنا من بنين وبنات، بعيدين عن رياح الطائفية المسمومة. لكن النوايا وحدها لم تعد كافية، والقرارات الفوقية، تبقى أسيرة الأوراق التي تُدوَّن فوقها، ما لم تصاحبها إجراءات ملموسة تنقلها من حيز التخطيط إلى ساحة التنفيذ، وما لم تكن مشفوعة بالضوابط الإدارية التي تضمن التقيد بها، وتحاسب، وبشدة من تخول له نفسه أن يخالفها، وتردع دونما أية شفقة أو محاباة من تدفعه غرائزه الشيطانية إلى التلاعب بها. لذا، وبعيداً عن أيٍّ من تلك النوايا الحسنة، فإن منطق الواجب الوطني، ومسئولية الضمير التربوي ترغمنا على التحذير من أن سماوات مدارسنا أصبحت تغشوها سحب الطائفية السوداء، وباتت فضاءاتها ساحة رحبة تحلق فيها، دونما أي خوف من عقاب، غربان الاحتقان الطائفي الهدّام، فترسل نعيقها المشؤوم، وبكل وقاحة، كي يخترق آذان مربينا، ومعهم أبناؤنا الطلبة، فيمسخ تفكيرهم، ويحرف سلوكهم عن الطريق السوية الصحيحة التي تربينا عليها جميعاً، بمن فينا سعادة الوزير الذي نناشده أن يولي هذه الظاهرة، الذي تملؤنا الثقة أنه لا يمكن أن يقبل بها، الاهتمام الذي تستحقه.
بين يدي مجموعة من الحوادث التي لم تعد متناثرة، بل تحولت إلى ظاهرة متكررة، باتت تنتشر في ساحات المدارس، وتتسلل إلى ردهات غرف الدراسة، وتهاجم أبناءنا، فتزرع الذعر في نفوسهم أولاً، وتغزو عقولهم ثانياً وليس أخيراً. خطورة هذه الظاهرة متشعبة ويمكن حصر أهم عناصرها في الجوانب التالية:
1 - مستقبلية، فهي، تنشئ جيلاً كاملاً تحكمه هذه الذهنية الطائفية التي يصعب تغييرها في مراحل لاحقة. فنحن اليوم ننمي عقلية كاملة تقوم على أساسات طائفية متينة يصعب هدمها في المستقبل، وتستحيل إزالتها بسهولة لاحقاً، فمن شبَّ على شيء شابَ عليه. هذا يعني أننا نُهيّئ، اليوم، وبأيدينا ومحض إرادتنا، مجتمعاً بحرينياً أنانياً مكوناته الاجتماعية غير قابلة للتعايش، وكل طائفة فيه ترفض الأخرى، وتحاول نفيها، ومحو ثقافتها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
2 - تربوية، فبقدر ما تتفشى الأمراض الطائفية، بقدر ما يصعب على وزارة التربية والتعليم وضع برامج تعليمية قادرة على مخاطبة المجتمع البحريني بكل طوائفه الدينية، وفئاته الاجتماعية. ربما تبدو هذه «الخطيئة»، ثانوية لدى البعض، وهامشية عند البعض الآخر، لكنها في حقيقة الأمر تزرع قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة في المستقبل، حيث يفقد المجتمع، بشكل تلقائي قدرته التي يحتاجها للتحكم في الضوابط التي تسير العلاقات فيما بين أفراده، بل وحتى مؤسساته، كنتيجة منطقية لمثل تلك المناهج غير المتكاملة التي ستجد الوزارة، لا قدر الله، نفسها مضطرة إلى إقرارها، كما شاهدنا في بلدان عربية عانت هي الأخرى من أوبئة الطائفية.
3 - اجتماعية، إذ تضرب مثل هذه الحوادث، التي قد تبدو محدودة لدى البعض منا اليوم، بجذورها في أعماق المجتمع، وتحمل في أحشائها نطفة غير شرعية تحتضن في ثناياها كل مقومات سرعة الانتشار والتوسع، وتدق أسفيناً في مركب الوحدة الوطنية، وتهدد بإغراقه، بدلاً من مساعدته على أن يأخذ بيدنا إلى بر الأمان الذي يؤلف بين قلوب مختلف الفئات الاجتماعية، والطوائف المذهبية. آثار الانشطارات الطائفية أشد سلبية من أي من الأخطار الأخرى، لكونها تمس المجتمع برمته، وتحوله من تكوينات مستقلة لكنها متكاملة، وغير قادرة على الاستقلال عن بعضها البعض، ومن ثم فهي راغبة في التعايش المشترك، من أجل توفير الأمان المتبادل المطلوب فيما بينها، إلى ما يشبه الكانتونات المتناقضة المعادية لبعضها البعض.
كل ما يتمناه المواطن البحريني، أن يبادر سعادة وزير التربية والتعليم، إلى تقصّي الحقائق بشأن ما يجري في مدارس البحرين اليوم، وتملأ المواطن كل الثقة في أن الوزير النعيمي، وهو المربي الفاضل، لا يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي، وهو يرى أبناءه الطلبة يقعون فريسة ضعيفة أمام غول الطائفية الآثمة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3147 - الثلثاء 19 أبريل 2011م الموافق 16 جمادى الأولى 1432هـ