لم يخطر في بالها يوماً أن تجد نفسها عرضة للعراء والفاقة وحزمة كبيرة من الأمراض، كانت نضرة كأول الندى على صفحة الورد، مترفة تمطر سخاء ، ولكنها وجدت نفسها على النقيض من كل ذلك. تنام من دون عشاء، تعمل على تقليص فترات تناولها الدواء كي تضمن استمراره ليومين أو ثلاثة أيام.
ذلك الذئب البشري الذي ظل ولسنوات طويلة يستنزف إمكاناتها وما ورثته عن والدها من ضياع وأراضي، عدا الرصيد المصرفي، ليسهر على ملذاته وعلاقاته المشبوهة. كان يتخذ البيت خاناً للنوم فيما هي تمضغ مرارات ظلت تتراكم على مدى سنوات لم تجد فيها محاولات وضع حد للطريق المهلكة التي يبدو أن أحدهما سينتهي به الأمر الى نهاية فادحة.
في أحد البيوت المشبوهة وفي أوج عربدته مع نساء مشبوهات راح في غفوة فيما السيجارة ظلت مشتعلة بين أنامله، وسرعان ما سقطت على أرضية الغرفة التي تغطيها قطعة من نسيج صوفي لتسري النار فيها رويداً رويداً لتتحول الشقة بما فيها من مخلوقات معربدة الى أكوام من فحم.
بلغها النبأ كما بلغ كثيرين، عولت على ما تظن أنه تبقى لها من حساب مصرفي ظل يستنزفه لسنوات، ولم تفاجأ حين علمت أن الحساب تحت الصفر، لم تجد مهرباً من العمل في مهن وضيعة... في بيوت لم تخل من مشاهد العربدة ، صار كل ذلك مألوفاً لدرجة أن حاسة ما ظلت معطلة لديها وهي التي كانت بمثابة المجس الذي به توجه وتقرر علاقات ظلت في الذروة من التماسك والثبات. لم تمض إلا تمض لتجد نفسها جزءاً من مشاهد العربدة تلك ... عرضة للعراء والفاقة وحزمة كبيرة من الأمراض. وهي التي كانت نضرة كأول الندى على صفحة الورد.
جعفر الجمري
jaffar.aljamri@alwasatnews.co
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3147 - الثلثاء 19 أبريل 2011م الموافق 16 جمادى الأولى 1432هـ