السؤال الذي يطرحه الكثيرون بشأن المشروع الوطني للتوظيف هو «هل سينجح هذا المشروع في توظيف عشرين ألف بحريني في الوقت الذي فشلت فيه كل برامج البحرنة والتوظيف منذ العام وحتى الآن؟». ولعل السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو «هل يثق الناس بالحكومة فيما تقوله بشأن المشروع الوطني للتوظيف؟».
فالمتابع للمشروع الوطني للتوظيف يلاحظ برامج وخبرات نوعية تعتمد على دعم شركة استشارات عالمية ساعدت عدة دول في توظيف المواطنين، ويشاهد حماساً كبيراً لدى مسئولي وزارة العمل تجاه تنفيذ هذا المشروع. بل يمكن القول إن الوزارة وضعت كل ثقلها وربطت مصيرها بنجاح هذا المشروع.
ومن دون شك، فإنني من المؤيدين لهذا المشروع، على رغم انني انظر الى كثير من الأمور بحذر شديد، إلا ان المشروع يبدو جاداً في أسلوب تعاطيه مع مشكلة البطالة، كما تبدو الخطوات المتخذة علمية وواقعية. وفيما لو نجح المشروع خلال هذا العام فإن البحرين قد تتخذ انموذجاً لحل مشكلة البطالة التي يبدو انها استعصت على الحكومة منذ فترة طويلة جدا.
السؤال المطروح أعلاه ليس خاصاً بالبحرين فقط، فالثقة بالحكومات قلت على مستوى العالم، وقد أجرى المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) استطلاعا للآراء في عشرين دولة (نشر الشهر الماضي)، شمل مقابلة أكثر من عشرين ألف شخص، عن مدى ثقة الناس بالحكومات، وخرج بنتيجة مفادها ان الثقة منخفضة، وهي في مستوى أدنى مما كانت عليه في بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول .
البيئة السياسية المتوازنة والمتقدمة تحتاج الى الثقة بين الحكومة والناس، ومن دون ثقة فإن الكثير من البرامج والمبادرات تفشل حتى لو كانت النوايا سليمة. فالثقة هي الرابط الحقيقي بين أفراد المجتمع، وهي الرابط بين المجتمع والدولة، وإذا أراد طرف ما أن ينتصر على مجتمع ما فما عليه إلاّ أن يثير الشكوك في أوساطه ويفكك روابط الثقة بين أفراده، وسرعان ما ستزول قوة ذلك المجتمع.
والحال كذلك بين المجتمع والدولة، فالدولة الديمقراطية هي التي تحصل على ثقة شعبها (من خلال ممثلي الشعب المنتخبين)، وهي الدولة التي يصدقها الناس إذا طرحت رؤيتها بشأن موضوع ما.
وما نشهده من ردود فعل تجاه المشروع الوطني للتوظيف يؤكد أن هناك مشكلة عالقة ويتوجب على الجهات الرسمية أن تعالجها، وهي ان الجهات الأهلية والرموز الدينية تشكك في أي شيء يصدر عن الحكومة، حتى لو كان ذلك الشيء مبادرة حسنة تستهدف توظيف عشرين ألف مواطن بمعاشات مجزية. إن على الحكومة أن تنفتح أكثر، وربما ان التلفزيون والاذاعة يمكن استخدامهما لتعزيز ثقة الناس بمثل هذه المبادرة. فما يؤسف له هو ان الأجهزة الإعلامية الرسمية مازالت جامدة، ولربما تزداد في جمودها، بينما تتوافر بين أيديها امكانات ضخمة يمكنها أن تصل إلى قلوب وعقول المواطنين عبر حوارات مفتوحة وبرامج تستوعب الآراء المسئولة، حتى لو كانت مختلفة مع وجهة النظر الرسمية.
ان أمامنا اثني عشر شهراً كاملة لاكتشاف حقيقة المشروع الوطني للتوظيف، وأعتقد انه ينبغي علينا ان نساند الحكومة في هذه المبادرة التي تبدو أفضل بكثير من المبادرات التي سبقتها، وهذا يتطلب من الجمعيات السياسية والأهلية والقيادات الشعبية ان تفتح عينيها على ما هو مطروح وتؤيده ولو بشروط، وتدعو الى انجاحه، ذلك لأن نجاحه يعني استفادة عشرين ألف مواطن لا يعملون حالياً.
لقد آن الأوان ان نفسح المجال لبعض الحلول أن تنطلق، وذلك بعد أن تحدثنا عن المشكلات كثيرا... كما علينا ان نعي بأن أي حل لن ينجح إلا اذا تأسست علاقات ثقة بين مختلف الأطراف التي تؤمن بالعمل على أساس مبدأ الشراكة الوطنية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1216 - الثلثاء 03 يناير 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1426هـ