العدد 3146 - الإثنين 18 أبريل 2011م الموافق 15 جمادى الأولى 1432هـ

«الطاحونة والنوارس» لحمامة... تعرية آلية السلطة السائدة

عبدالرحيم مؤذن comments [at] alwasatnews.com

.

ظل القاص «لحسن حمامة» مخلصا لقناعاته في الكتابة التي سار عليها منذ مجموعته البكر «عندما تتكلم الحيطان 1984» مرورا بمجموعته الثانية «المغارة والضوء 1998» وانتهاء بالمجموعة المشار إليها أعلاه «الطاحونة والنوارس، مطبعة فضالة/ المحمدية 2004». وتقوم هذه القناعة- وهي من مكونات المرحلة السبعينية من القرن الماضي- على دور الكتابة عموما، والقصة خصوصا، في التنوير، أولا، والتغيير ثانيا، من خلال تعرية آليات السلطة السائدة، من جهة، ونقد – من جهة ثانية- ممارسات الفئات الاجتماعية المسودة في الحياة اليومية، فضلا عن الرواسب المترسبة في الذات المضطهدة- بالفتح- على مستوى الفكر والوجدان. ولعل هذا ما يفسر محايثة الايديولوجيا – بنسب متفاوتة- للعديد من هذه التجارب، مما أدى بالعديد من الباحثين في المتن القصصي المغربي إلى تعميم حكم حق أريد به باطل مجسدا في وسم القص السبعيني بالطابع الايديولوجي الصرف، علما أن نصوصا قصصية عديدة في هذه المرحلة، ميز أصحابها بين كتابة الاديولوجيا، وايديولوجيا الكتابة.

النص والعتبة

لا يستطيع القارئ ولوج نصوص المجموعة دون أن يمر بعتبات دالة، ومعظمها نصوص موازية عكست ملامح التنوير التي أطرت هذه النصوص، بعد أن متحت من معجم التنوير والإصلاح بنسب متفاوتة، سواء تعلق الأمر بوظيفة الكتابة، أو بوظيفة الكاتب (يحضر هيمنغواي ونوفاليس وهدى بركات وعبدالكريم برشيد ومحمد سبيلا...) والقاسم المشترك بين هذه العتبات يكمن في الرغبة الملحة للسارد الراغب في امتلاك لحظة إنسانية يمرر عبرها موقفا، أو حدثا دالا على طبيعة ارتباطه بذكريات الماضي أو وقائع الحاضر ( أكيد أن الوعي المغربي واقع الآن تحت دهاليز الجغرافية اللامرئية للقمع، لائحة زبانية الجحيم، الأقبية السرية، أحواض الآبادة...)


الدخول إلى النص

لعل أهم الملامح النصية في هذه المجموعة نجدها في الآتي:

1 ـ الجانب الكمي الذي تشترك فيه النصوص القصصية دون استثناء. فالقصة الواردة في المجموعة تتأرجح بين العشرين والثلاثين صفحة (14- 21 سم). ومن ثم مازالت مخلصة لتقاليد الكتابة القصصية- وهذا ليس حكما قيمة- التي سادت العالم العربي، وسارت على منواله العديد من التجارب المغربية (محمد ابراهيم بوعلو- خناثة بنونة- محمد بيدي...) فالقصة، عند الكاتب، خاضعة لمعيار نص نموذجي يقوم على وحدة الانطباع، واحترام أبعاد الزمان والمكان في حدود بلورتها لطبيعة الشخصية التي تحظى باهتمام السارد بحكم دلالتها المرآوية في تجسيد مفارقات الواقع، وانعكاساته المتعددة على الشخصية ذاتها، وعلى ما يحيط بها من وقائع وفضاءات وشخصيات موازية أو مضادة. وبالإضافة إلى هذا وذاك، عزف النص على الإيحاء بالخواتم المحملة بالنبوءة، أحيانا، وبالإشارة الذكية أحيانا أخرى. (... بخطوات واهنة منهوكة... رفع رأسه الى السماء فوجدها عالية متكبرة. نظر الى الأرض فوجدها قاسية صادمة... رغم ذلك، قر عزمه على أنه عندما سيعافى وتعود له بسمته المسروقة، سيحكي قصة عذابه ومحنته... سوف لن يحكيها بالشكل المأساوي الذي جرت به، بل سيتدخل في أحداثها وشخصياتها...) الطاحونة والنوارس ص 114.

2 ـ وهذا الملمح الكمي لا يقتصر على متابعة الشخصية، واستقصاء مختلف جوانبها، بل يمتد الى جانب التأمل- وهو عامل من عوامل جانب الكم - الذي ينتشر بين جنبات النص عبر تساؤلات عديدة حول ما حدث من جهة، وتوقع - من جهة ثانية - ما سيحدث لاحقا. (فكر، لو أنه انتحر، من سيحمي نجاة من الذئاب والضباع؟ نجاة زهرة محتاجة الى الحماية والعناية، لأن الزهر الجميل، عادة، ما يذبل بسرعة ويذوي. تسربت الى أغواره ودهاليز نفسه، أسئلة مبطنة بالتأنيب والعتاب. هل انتحاره وفاء لزوجته، أم خيانة لحبها؟ ترك نجاة لغوائل الزمن، ألا يعتبر جريمة بشعة في حق زوجته وأبنائه؟ (نفسه.ص111)

3 ـ غير أن هذا الملمح الكمي لم يكن حشوا زائدا، أو ترهلا أسلوبيا، بل كان ضرورة فنية نبعت من سياق النص، بعد أن طعمت بلحظات سردية ووصفية مكثفة اقتربت من تجارب محمد زفزاف وادريس الخوري...

4 ـ انحياز واضح الى الواقعية، موقفا وأسلوبا في الكتابة. موقفا كما بدا في اختيار النموذج الإنساني الدال، وللحدث المجسد للمفارقة اجتماعيا وسلوكيا... وأسلوبا كما جسده المعجم القصصي الواقعي الذي استند الى المعيش اليومي للشخصية الإنسانية وتوزع - من ناحية أخرى - بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون من خلال الآتي:

أ - متابعة الشخصية في حركتها اليومية، من خلال هويتها المحددة، والتي يعرفها السارد أحق المعرفة سواء استعمل ضمير المتكلم، بملامحه الأتوبيوغرافية، (رجل تعليم في أغلب الأحيان- كاتب- موظف) أو استعمل ضمير الغائب للإيهام بحياد يمنح السرد نوعا من الموضوعية.

ب - العزف على ظواهر الفساد والإفساد سواء تعلق ذلك بالذات الإنسانية، أو بالمجتمع بمختلف مستوياته. (استبداد- قهر- خرافة- شعوذة- فوارق اجتماعية- احتيال...)

ج - الاحتفاء بالأمكنة والفضاءات المختلفة، والحرص- من ناحية أخرى- على تسميتها بأسمائها الحقيقية للايهام بواقعية التجربة.

د - تنويع المواقف بهدف خلق مقاربة موضوعية للظاهرة. ووسيلة السارد في ذلك تتجسد في توزيع الكلام على شخصيات النص دون أن تبتعد عنهم عينه المراقبة لكل ما يجري حوله من أحداث وممارسات مختلفة.

ه - المراوحة بين الواقع والمتخيل، الماضي والحاضر، الممكن والمحتمل... ومعظم هذه النصوص تقتات من عنصر التذكر، أو الاسترجاع لذكرى حميمية (قصة الفتنة ص.7)، وقد يتحول التذكر الى ما يشبه الحلم بما يجب أن يكون مغلفا بأحلام اليقظة. (قصة امغار28)

و - المزج بين السرد والوصف، السرد والحوار، الديالوغ والمونولوج، الحكي والاسترجاع... وهذا التنويع الأسلوب سمح بمتابعة الظاهرة في مختلف تجلياتها التي انعكست على ذات سارد قلقة أمام المبكي والمضحك في ما اصطدمت به من أحداث ومواقف.

هامش: لحسن حمامة. الطاحونة والنوارس.م. فضالة- المحمدية. 200

إقرأ أيضا لـ "عبدالرحيم مؤذن"

العدد 3146 - الإثنين 18 أبريل 2011م الموافق 15 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً