نحن نعالج قضايانا بالانفعالات والانتقام والثأر. وتلك هي خطيئتنا الكبرى. الأفكار لا تغير بالمجنزرات والاساليب العسكرية، وانما بأفكار قوية تعمل على إذابة الأفكار العصابية، على طريقة لا يفل الشريط الا شريط مثله ولا يضعف مؤسسة الا بإنتاج مؤسسة مضادة لها، وكذلك لا يفل الثقافة الا ثقافة مضادة، أقوى حجة وأكثر متانة. العنف والإرهاب لا يمكن أن يقضى عليه بالسلاح وانما بثقافة سلمية تخترق منابره ومناهجه ومواقعه، وذلك عبر تأسيس بنى فكرية في تربته. التأثير الثقافي لا ينزل ببرشوت. هناك تراكمات معرفية وتاريخية وحضارية لا يمكن تجاوزها. الكاتب الأميركي فوك ويوما ألف كتابا سابقا اسماه «نهاية التاريخ»، وهذه الأيام يعمل على نشر كتاب جديد اسمه «أميركا امام مفترق طرق» وهو يقول: الإرهاب هو صراع سياسي ولا يمكن حله بالوسائل العسكرية.

اعتقد أن محاربة الأفكار المتطرفة لا يكون بمعلقة أجهزة المخابرات وفروع الأمن وزيادة سلطة العسكر، وانما بفتح أكبر لمنظمات المجتمع المدني وخلق آفاق حوارية. نحتاج الى مؤسسات اللاعنف وسلطة الحقيقة كما يحلو لغاندي ان يسميها. وعلاج الديمقراطية يكون بضخ مزيد من الديمقراطية. ان اقراص الشفافية المسكنة لا يمكن ان تزيل ورم سرطانات الفساد الاداري والمالي، هناك مجتمعات محبطة بسبب الفقر. نحن نعيش في عالم يزداد فيه المليارديرات ويزداد فيه الفقراء، يأكل عشرون في المئة من مترفي العالم ثمانين في المئة من خيرات العالم، وهذه قسمة ضيزى. لا تزيد شهيتي كثيرا للتطلع لمستقبل ديمقراطي عالمي. الغرب له برغماتيته الاقتصادية ومصالحه واتفاقاته هل يلغيها لسواد عيون الشرق؟، لكن قد تقتضي التقاطعات - في ضربة قدر ذهبية لا تتكرر دائما - التقاء مصلحة الشعوب والغرب في نقطة فيصاب الهدف كما حدث لسقوط صدام.لكن كل ذلك لا يخلو من تداعيات وقد نقع في اشكالية من حرق الغابة ليقتل فأرا. علينا ان نقرأ طبيعة سيكولوجية المجتمع العراقي واذا قرأنا كتب العالم السسيولوجي علي الوردي «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» او المجلدات الستة والتي بعنوان: «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث»، سنفهم ما يحدث للعراق الآن. وفيهم يسلط الضوء على الفسيفساء العراقية العرقية والمذهبية واخفاق الانجليز في ذلك.

الولايات المتحدة يجب ان تعرف جيدا أن ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما يزيد على الـ 60 دولاراً يعني شيئاً خطيراً هو ازدياد قوة العسكر وترسخ المنهج الشمولي للدول الدكتاتورية ذات نظام الحزب الواحد، وتأخر لهبوب رياح الديمقراطية في العالم العربي، بمعنى ان العالم الشرقي بحاجة الى حوار وليس الى سلاح. أقول: دمقرطة الشرق وليس «أمركته»، مع ايماني ان للحضارة الغربية وحتى الاميركية منتوجاً إبداعياً في علوم الانثربولوجيا من علم الاجتماع والنفس وعلى رغم ذلك تفتقد الى دراسة طبيعة المجتمع الشرقي لهذا أطروحة فوكوياما هي الأصح.

ارتفاع أسعار النفط يعني بداية لتقليل اكسجين الحرية في العالم العربي. أزمة الارهاب أزمة ثقافة. اشكالية اعتدال وهذه لا تثبت بالسلاح، بل بالاقناع والتعليم. ان استنساخ العقل الياباني هو ما نحن بحاجة اليه في الشرق. الاعتزاز بالاصالة الوطنية والثقافية من دون التوجس من الاستفادة من معارف الآخرين من الامم والحضارات.

خليجياً ارتفاع سعر النفط ربما يزيد من الديمقراطية