بعد ان انجلى غبار الفتنة وانكشف طلابها للرأي العام، تبقى هناك كلمة لابد من قولها لجمعية التوعيةالإسلامية. طبعاً لم يكن غريباً أن تعقد الجمعية مؤتمراً صحافياً تدافع فيه عن نفسها، وتوضّح موقفها من الحملة المفتعلة ضدها، ومن حقّها أن تصف من اتهموها بالطائفية بـ «المتنفذين الطائفيين»... ولكن ماذا بعد؟ وقبل هذا السؤال كان من الحريّ بالتوعية أن تطرح على نفسها سؤالاً أكثر أهمية: لماذا؟
ما طرحه رئيس الجمعية عن موضوع اللافتة هو أقرب للغة الخطابة المنبرية: «خيرٌ وشر، وعدلٌ وظلم، وحقٌ وباطل»، وهو كلامٌ عام، ولكن لغة الوعظ لا تصلح بالضرورة للافتات الشوارع العامة التي تشهد احتكاكاً سياسياً متصاعداً.
نحن اليوم في وضعٍ محتقن، وهناك فئةٌ من «المتصيّدين»، مهمتها إثارة الزوابع وتعكير المياه، وهي مستعدة للعب بالنار. فلماذا تخدمونهم بأن تقدّموا لهم المبرّرات ليسبّوكم بين فترة وأخرى؟ وهل من الكياسة أن يقدم الإنسان خده لتلقي الصفعات؟ وعلى ماذا؟ على لافتةٍ لم تتضمن آية قرآنية وإنما عبارة أدبية قيلت قبل عامين، مع احترامنا للقائل والمقول.
سياسياً، الساحة في مرحلة تسخين للانتخابات، وهناك أطراف عدة شديدة الحرص على فعل المستحيل، لـ «تطفيش» الأطراف المعارضة ومنعها من المشاركة، ولذلك ستفتعل الكثير من المشكلات خلال الأشهر السبعة المقبلة، حتى لو تطلب ذلك جرجرة الشارع إلى مواجهات. وعلى التوعية والوفاق، وعموم التحالف الرباعي، ان يتذكّروا هذا الكلام جيداً.
فإذا كان هذا هو الوضع، فعلى من يختار شعاراً للافتة، أن يكون نبيهاً، حذراً في اختيار الكلمات، وألاّ يقدم هديةً مجانيةً للمتربصين، ليستدرجوه إلى الحفر المغطاة بألف غطاء.
الكل يعلم ما يحكم المؤسسات والهيئات الاجتماعية، من أنظمة داخلية. الجمعيات والمآتم وحتى الأندية، لا تسمح لأحدٍ بالتصرف الانفرادي في مثل هذه الأمور مهما بدت بسيطة، وليس من الصحيح ترك اختيار الشعارات في المناسبات المختلفة لتقديرات شبابٍ متحمسٍ، قد تعجبه هذه الكلمة البليغة أو تلك، من دون تقديرٍ للعواقب أو معرفة بواقع الحال. حتى لو قيل إنهم من شباب الحوزة، فمع احترامنا لهؤلاء جميعاً، إلاّ أن الموضوع أكبر من الحوزة، حين يخرج عن نطاق حسن النية والوعظ الديني، ويصبح مادةً للمزايدة الوطنية، وتحريض الأجهزة الأمنية وإثارة الفتنة والانقسام في الشارع الوطني.
الدرس الأخير هو ان من الضروري وجود هيئة رقابية أو إشرافية، تتمتع بدرجة عالية من النباهة والفطنة والمسئولية في هذا الظرف، لئلا يحصل من يتربصون بكم وبالوطن الدوائر على أفضل الخدمات المجانية. فالشعب الذي ينظم هذه المواكب الكبيرة في مختلف المناطق، وعلى هذه الدرجة من الانضباطية والنظام، لن يعجز عن ضبط كتابة الشعارات وعناوين اللافتات بما يحقق المصلحة الوطنية العامة. وربما يكون ذلك كفيلاً بحل بعض الإشكالات التي وقعت هذا العام، من نزع لافتات أو «سواد».
في الحديث: «المؤمن كيّس فطن». و«التوعية» فيها الكثير من المؤمنين، والكياسة لا تحتاج إلى مؤتمر صحافي للدفاع عن النفس فقط، وإنما إلى شجاعة في مراجعة النفس وتقييم الخطوات.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1271 - الإثنين 27 فبراير 2006م الموافق 28 محرم 1427هـ