العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ

العربدة الصهيونية في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تسود السياسة الإسرائيلية تجاه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني موجة نفس هجومي متشددة، يمكن تلمسها في مجموعة من التصريحات والمشروعات، أولها تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي استبعد فيه فكرة عودة «إسرائيل» إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، حينما قال بأن «العودة إلى حدود 1967 الذي نتعرض لضغوط حاليا للقيام به لن ينهي النزاع مع الفلسطينيين ولن يضمن السلام ولا الأمن». هذا الأمر متوقع من صهيوني متشدد مثل ليبرمان الذي صرح بعد أقل من أربع ساعات على توليه حقيبة وزارة الخارجية تراجع «إسرائيل» عن التزاماتها باتفاق «أنابوليس»، الذي عُقد في الولايات المتحدة الأميركية أواخر العام 2007. ثانيها، مشروع القانون الذي تقدم به الحزب اليميني المتشدد «إسرائيل بيتنا» والذي يحظر على المواطنين العرب إحياء ذكرى النكبة من جهة، ويشترط إلزام كل المواطنين فى «إسرائيل» بما فى ذلك الأقلية العربية أداء يمين الولاء للدولة يقول «أتعهد بالولاء لدولة (إسرائيل) بصفتها دولة يهودية صهيونية وديمقراطية، ولرموزها وقيمها، وبأن أقوم بخدمة الدولة، كما هو متطلب مني خدمة عسكرية أو من أي شكل من أشكال الخدمة كما ينص عليه القانون»، من جهة ثانية. وثالثها ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حديث بالأقمار الصناعية وجهه إلى مؤتمر لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك)، مبديا فيه استعداده الفوري لبدء محادثات سلام مع الفلسطينيين، ودون الإشارة إلى دولة فلسطينية، ولوحظ حينها أن نتنياهو تحاشيا للتطرق إلى حل الدولتين ما أطلق عليه «نظرته الجديدة» التي تتضمن استراتيجية ذات ثلاثة مسارات قال إنه من شأنها تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين وتعزيز أمن «إسرائيل» في آن. هذه الدعوة اعتبرتها المصادر الفلسطينية حينها بأنها «غامضة وغير كافية».

يضاف إلى ذلك نهايات الحروب التي شنتها «إسرائيل» على لبنان في يوليو/ تموز2009، والأخرى على غزة في العام الماضي، والتي جاءت في غير صالح «إسرائيل». كما أن من يتابع تردي الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، يستغرب مثل هذه السياسة التي تصر تل أبيب على سلوكها. فإلى جانب ارتفاع حرارة الصراعات الداخلية بين الكتل السياسية المختلفة، والتي أوصلت الحكومة إلى حالة قريبة من الشلل السياسي، هناك الأزمة الاقتصادية التي تهز أركان الاقتصاد الإسرائيلي، وتكاد أن تقوده إلى نهايات مدمرة.

منطق الأمور يقود إلى أن تلجأ «إسرائيل» إلى الأخذ بسياسة أكثر مرونة، وقابلة للدخول في شيء من المساومات، عوضا عن الاستمرار في التصعيد غير المنطقي، بما في ذلك التهديد بضرب طهران في حال عدم تخلي هذه الأخيرة عن برنامجها النووي.

إذا خرجنا من دائرة الأوضاع الإسرائيلية الذاتية، فسوف نجد أن هناك مجموعة من العوامل التي تدفع «إسرائيل» نحو هذه السياسة المتشددة، والتي من بين أهمها:

1. الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة، التي تخشى تل أبيب من أدنى انحياز لها في معادلة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أولا، وعند إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديدة ثانيا، لما من شأنه إضعاف الرقم الإسرائيلي في المعادلة القادمة. وكا يبدو، فإن «إسرائيل» قد لمست بعض التحول في سياسة واشنطن الخارجية تجاه المسألتين، من خلال قراءتها لتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولما رشح من معلومات إثر جولة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون الأخيرة للمنطقة.

2. التشرذم الفلسطيني، الذي عبرت عنه مفاوضات الصلح بين «فتح» و»حماس» التي احتضنتها القاهرة قبل أسبوعين، والتي تمحورت بشكل أساسي حول الجوانب الأمنية، بدلا من معالجة القضايا السياسية الاستراتيجية ذات العلاقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كما عكستها تصريحات المسئولين من الطرفين، فبينما أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث إن «المحادثات ركزت في ضوء مقترحات مدير المخابرات المصرية عمر سليمان على تشكيل قوة أمنية مشتركة بين «فتح» و»حماس» تسهم في خلق أجواء من الطمأنينة والوحدة في صفوف الفلسطينيين في قطاع غزة»، لم يحاول عضو وفد «حماس» عزت الرشق الخروج من الدائرة الأمنية ذاتها. فعلى الرغم من أنه اعتبر أن إنشاء قوة أمنية مشتركة في قطاع غزة قبل ترسيخ المصالحة كمن «يضع برميل وقود سريع الاشتعال»، لكنه عاد، شأنه شأن شعث، ليؤكد على أن «حماس» تريد إنجاز الاتفاق وبأنها «لاتمانع في تشكيل قوة أمنية مشتركة على المعابر».

3. قصر نفس الوسيط المصري، إذ تدرك «إسرائيل»، أكثر من غيرها، بفضل خبرتها التفاوضية التي اكتسبتها خلال مفاوضات كمب ديفيد، قصر نفس الوسيط المصري، وعدم قدرته على الاستمرار في عمليات الحوار ذات النفس الطويل. أكدت هذا الأمر ما كشفته مصادر مطلعة بحدة موقف مدير المخابرات المصرية عمر سليمان، الممثل المصري في محادثات الوفاق بين «فتح» و»حماس» من قوله بالحرف الواحد داخل جلسة مغلقة، «أن مصر ليست مجرد بلد ضيافة وإنما تعبر عن الدور اللازم لوقف الانقسام الفلسطيني الذي بات يهدد المصلحة الوطنية الفلسطينية ويهدد الأمن القومي العربي». فحاول سليمان تغليف «الاستعجال» المصري، بمبررات «الأمن العربي».

هذه العوامل الثلاثة، وفي مقدمتها التشرذم الفلسطيني، هي التي تقف وراء العربدة الإسرائيلية، والتي تعبر عنها المواقف المتصلبة التي تصر على التمسك بها تل أبيب، وما لم تتغير هذه المواقف، وتتغير معها موازين الصراع، سوف تستمر «إسرائيل» في عربدتها، بينما يواصل الفلسطينيون لهوهم وراء قضاياهم الأمنية الصغيرة بدلا من التركيز على حقوقهم الاستراتيجية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً