العدد 1270 - الأحد 26 فبراير 2006م الموافق 27 محرم 1427هـ

الأحزاب السياسية العربية (1-2)

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

يقينا أن الديمقراطية التي تم التحقق من فاعليتها في إدارة الخلاف والاختلاف هي قدر الشعوب، وهي خيارها الوحيد، حتى الآن، للحد من سطوة المال والايدلوجيا والقيم (من حيث هي متوارثة عبر أجيال ومعاندة لمسايرة التطور وتكون كابحة له)، التي تشكل مجتمعة أو منفردة، وقوداً يشغل ماكينة الاستبداد، وتسهم في تكريس سلوك إداري وتنظيمي معين يمارس فعله في اذلال الانسان والحط من كرامته. والاستبداد مرتبط تكرسه في المجتمع بالتمييز واختلال ميزان العدالة واللامساواة بين الناس، وهي، بالضرورة، مقدمات لانفجار العنف كنتيجة منطقية. ولكن لا ينبغي أن نؤخذ، نحن معشر الناس، بمفهوم الديمقراطية هكذا بالمطلق، وفي عمومية ما يتم طرحه من تشويه لهذا المفهوم، سواء كان هذا التشويه ناتج عن قصد أو سؤ فهم، خصوصاً في الفضاء العربي الذي فيه تفرغ السلطات الحاكمة والأحزاب ذات الطبيعة المحافظة، المفاهيم من دلالاتها وتطويعها لخدمة أهدافها، وتنحرف بها لتستوي مطية تمرر عبر ركوبها أغراضها، التي هي، بالتأكيد، في اتجاه معاكس لأغراض المجتمع و همومه وأهدافه. وليس ببعيد عن وعينا ما تعرض له مفهوم الديمقراطية ذاته، إذ لا يزال عالقا في الذاكرة تلك المعارضات الشديدة التي تزعمتها أحزاب الإسلام السياسي الذي مرة يرفضها باعتبارها مستورد غربي، ويعمل في غرس بديله الشورى، إلى أن اقتنع بحتمية قبوله كما هو، ليعود هذا المفهوم من جديد ليجتذب نقاشا بيزنطيا باعتباره مشروعاً أميركياً ولن تكف هذه القوى عن الممانعة في قبول هذا المفهوم كما هو لطالما ظلت متشاكلة مع الآخر عقائدياً، على رغم من أن الديمقراطية ليست مذهباً سياسياً، وليست فرعا من الايدلوجيا، وإنما هي طريقة أضحى شائع توظيفها أداة لتحقيق أهدف وغايات، وهدف لازم بلوغه عبر هذه الأداة، كما قلنا، للإدارة والحكم، ومن المفاجآت السارة عند البعض وغير السارة عند البعض الاخر هو وصول أحزاب الاسلام السياسي إلى مراكز صنع القرار في أكثر من بلد، وآخرها فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، والذي أوجد معه صخبا حمل غير قليل من قلق وخوف على مستقبل الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية. وإذا كان هناك من سبب في خسارة القوى الليبرالية والعلمانية لهذه الانتخابات، فإن السبب يقع على أطراف عملية السلام وهي، من جهة فتح التي تتحمل مسئولية الفساد الذي جعل من الفقر ظاهرة متفشية في أوساط الشعب الفلسطيني، ذلك أن اولى مؤشرات النجاح تظهر في السياسات الاقتصادية التي تنعكس شبعاً مادياً لدى المواطن، ومن الجهة الثانية، «إسرائيل» مع الولايات المتحدة الأميركية باعتبارهما ليسا شريكا سلام صادقين بما فيه الكفاية، بحيث يؤسس لقناعة ومصداقية عند الشعب الفلسطيني بصحة المنحى السياسي السلمي الذي تختطه منظمة التحرير الفلسطينية.

الديمقراطية أشكال، وتجلياتها ماثلة في مختلف بلدان العالم، والحقيقية منها هي تلك التي تتيح أوفر قدر من الحقوق والحريات السياسية والمدنية، من دون الدخول في متاهات أسئلة القيم والعادات والتقاليد، فهذه كلها أعذار يحتمي بها غير الديمقراطي ليضيق حقوق المواطنة، وعليه لا ينبغي أن يقنع المواطن بديمقراطية لا توفر له الحرية التامة، وتفتك بخياراته الانسانية.

إن الديمقراطية شكل متقدم من أشكال الممارسة السياسية والاجتماعية والفكرية، من أهم ضمانات ديمومتها احترام حقوق الانسان وما تتضمنه هذه الحقوق من حرية الرأي والمعتقد. وهي لن تنجح في أن تكون اطارا للحكم ما لم تتوافر على تيار عريض يؤمن بها ويوسع من ممارساتها في أطره الحزبية والمؤسسات المجتمعية، ويقطع مع القدرية والتواكلية في تصريف شئونه، ويطيح بسلوك اقصاء الرأي الآخر من ممارساته، ويجعل منه متكأً يعول عليه في في اثراء الرؤى، وتعدد زوايا النظر والتوصل إلى حلول محكمة وصحيحة تنتشل المجتمع من براثن النظرة الأحادية القاصرة. ذلك أن الرأي الآخر عمق ثقافي يوفر مصدر جديد للثراء المعرفي.

ومن هذا الفهم للديمقراطية نتساءل هل أن الأحزاب السياسية في البلدان العربية مهيأة لتسلم زمام السلطة في بلدانها، وفقاً لمبدأ التداول السلمي لها؟ وقبل الاجابة على هذا السؤال ينبغي القيام باطلالة استقرائية لواقع الأحزاب السياسية وظروف نشأتها، وطبيعة ممارساتها. فهي تتحرك في ثلاثة فضاءات واسعة، قومية، دينية وماركسية. ولن تعوزنا الفطنة في اكتشاف أن هذه الفضاءات تنتمي بنيوياً الى الراديكالية و تدور في فلكها، ومشدودة الى ممارسات اجتثاثية، لأنها مؤسسة على أسس عقائدية وتعطي الأولوية في تربية منتسبيها الى عقيدة الحزب، وتميل غالبية هذه الأحزاب إلى التشدد المؤدي الى العنف. ذلك أنها لا ترى الحقيقة ماثلة إلا في ثنايا مقولاتها، ولا تستظل إلا برايات نظرياتها، وما عداها خطأ تتعالى عن محاورته ولا يستحق منها الاستماع، وذلك في تناقض مع ما درجت عليه الفلسفة العلمية في إحدى أهم مقولاتها في ما يتعلق بنسبية الحقيقة وعدم قدرة البشر في التوصل اليها في زمن معين، إذ أنها تراكمية كل يسهم فيها بقسط. ويبدو أنها، الأحزاب، تأسست على قناعة أن تحقيق الغالبية يمكّن من إحداث تغيير جذري، ترجمة لرؤية عقائدية، في البيئات السياسية والاجتماعية والفكرية. وهل أن طروحات من مثل مقاومة العولمة في مظاهرها التي تلغي أو تهمش الثقافات الأخرى، أو رفع شعار المقاطعة مع كل نازلة تقع على رؤوس العرب أو منع الخمور من خلال عنوان عريض غير مفهوم الا لمن يسهل محاكاة عاطفته، وهو السياحة النظيفة، الا مسعى يجتذب إلى صفه ناس يشكلون غالبية في مجتمع يكتوي معنويا من مواقف اميركا ومدرك، ايمانا، بحرمة شرب الخمر.

كثير من تلك الأمثلة وما يدور في فلكها متعلق بالحريات لا ينبغي الزج به واخضاعه لمبدأ الغالبية البرلمانية، لأن ذلك، في اعتقادي موقف مناف لحرية الرأي والمعتقد، اللذين هما أساسيان في الممارسة الديمقراطية، وهما من المكتسبات المهمة التي حققها المجتمع في مسيرة تطوره المدني. وفي ذلك أقف بوعي كامل مع ما ينافح في اثبات خطأه الكاتب عقيل سوار، ويؤكد دائماً، أن الغالبية ليست معياراً صحيحاً في ما يتعلق بالممارسة السياسية( فما بالك اذا غدت معيارا في الممارسات الدينية والمذهبية)، إذ أنها على هذا النحو، في رأيي، تتحول الى ديكتاتورية غالبية في محاكاة لصيقة بديكتاتورية البروليتاريا الذي تطرحه اللينينية (الماركسية في طبعتها السوفياتية). أليس كذلك؟ للموضوع بقية

العدد 1270 - الأحد 26 فبراير 2006م الموافق 27 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً