تواجه شركة موانئ دبي العالمية معارضة قوية من قبل الكونغرس الأميركي بعد شرائها شركة الموانئ البريطانية «بي آند أو» التي تدير 6 موانئ أميركية. وذلك على رغم موافقة اللجنة المختصة بالاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة (المسماة باللجنة الاتحادية) على الصفقة، وتزكية الرئيس الأميركي جورج بوش بوصفه أن الإمارات حليفاً مهماً للحرب على الإرهاب. وفي آخر التطورات أقامت هيئة موانئ نيويورك ونيوجيرسي دعوى قضائية لمنع الشركة الإماراتية من إدارة العمليات في محطتها للحاويات بميناء نيويورك في نيوجيرسي. وقبل ذلك رفعت نيوجيرسي دعوى قضائية على الحكومة الاتحادية للولايات المتحدة لمنع تنفيذ الصفقة. ومع ردة الفعل هذه من قبل الساسة الأميركيين يجدر بنا أن نتساءل عن مدى التزام الدول الغربية التي تصف نفسها دوماً حاملة راية الحرية الاقتصادية، بالتعهد للاقتصاد العالمي الحر وخصوصاً عندما يكون الطرف الآخر إحدى دول الشرق الأوسط.
هل ردة الفعل الأميركية هي حقاً قائمة على ضرورة الأمن القومي وعدم تسليم المصالح الحساسة للأجانب؟ أو ربما هي مزيج من تلك البلادة في التفكير الزينوفوبي وعدم الرغبة في فهم الشعوب الأخرى؟ هل هي إحدى فروع ما يسمى بصراع الحضارات؟
أولاً: أمن الموانئ يقتصر على الجهات الحكومية المختصة مثل خفر السواحل والجمارك، وليس الشركات الخاصة التي تعمل تحت قوانين الدولة. ثانياً: تلك الموانئ الست الأميركية لم تكن مدارة من قبل شركات أميركية، فـ «بي آند أو» كانت شركة بريطانية. ثالثاً: هذه القضية لديها سوابق. فنرى أن السياسة الغربية في بعض الأحيان تعمل على منع الأجانب من ممارسة الحرية الاقتصادية في بلاد الغرب وخصوصاً في حال شراء الشركات. حديثاً لدينا تجمع الساسة الفرنسيين لمنع شركة «ميتال» للحديد المملوكة 88 في المئة من قبل عائلة هندية من شراء شركة «أرسيلور» (مازالت المفاوضات قائمة)، ومن فترة كانت لدينا قضية شركة نفط صينية تريد شراء شركة نفط أميركية.
من الملحوظ أن في تلك الأحوال يمارس الغرب سياسة الكيل بمكيالين. في حين يشجع الغرب الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية من قبل الشركات الغربية العالمية، التي في بعض الأحيان تنتهز فرصة العمالة الرخيصة وعدم صرامة القوانين البيئية وغيرها، يتخوف الغرب من الاستثمارات الأجنبية في بلاده من الشركات العالمية المملوكة من قبل العرب أو الهنود أو الصينيين.
من المؤسف أن ممثلي الشعب في الكونغرس الأميركي لا يحاولون توضيح الأمر لناخبيهم، ويعملون بشكل متعجرف وغير منطقي في زرع عدم الثقة بين الدول العربية الحليفة والشعب الأميركي. وأعضاء الكونغرس هؤلاء يعلمون عدم صداقة تخوفهم من أكثر الدول انفتاحاً وتطوراً في الشرق الأوسط، ما يجعل الوضع أكثر توتراً من الجانب السياسي، ولاسيما الاقتصادي.
فها نحن نأتي إذ بدأنا. هل أميركا بشكل خاص والغرب بشكل عام يلتزمون بتعهداتهم للعولمة والتجارة الحرة من دون التشويش السياسي؟ هل يمكن لشركات المنطقة الضخمة أن تعمل في أوروبا و أميركا، كما تعمل «جنرال إلكترك»، «ميرسك جروب» و«سيتي بنك» في دولنا؟ لن يجيب على هذا السؤال إلا الوقت.
العدد 1270 - الأحد 26 فبراير 2006م الموافق 27 محرم 1427هـ