لرؤساء الدول الحق - نوعاً ما - في الاستجمام والراحة، وغالباً ما نفهم الرحلات - الخاصة - لقادة الدول ورؤساء الوزارات بأنها أشبه بالإجازة السنوية. إلا أن خيار السفر هذا، يبقى في الأوقات الاعتيادية، فحين تمر البلاد بطارئ ما، تعود النخبة للفصل والمعالجة.
حديثاً في البحرين، النخبة السياسية في المعارضة تقوم بالتكتيك نفسه، لكنها لا تتخذ خيار الانطواء والسفر وإغلاق الأبواب، إلا حين تمر البلاد بأزمة! أو حين تتطلب منها البيئة السياسية قراراً سياسياً مفصلياً. «السفر» لدواعي خاصة تخريجة جديدة، لكنها لا تخلو من البراعة.
لبنانياً، «بيضة لبنان» العماد ميشال عون هاجم سعد الحريري ذات مرة، ووصفه بأنه رجل «خواف»، ومع امتلاكه لهذه القاعدة الشعبية العريضة إلاّ أنه يدير لبنان من باريس، وهو دائماً ما يكون متردداً في اتخاذ القرارات. ويتجه البعض إلى أن الدرزي «مروان حماده» هو من يتخذ القرار باسم الحريري «الخائف»!.
بحرينياً، ثمة اتهامات مشابهة، تارة تكون «مجازية»، وتارة أخرى «واضحة». ثمة قادة للرأي العام مصابون بالتردد والخوف، وهم غالباً ما يتخذون خيار السلبية السياسية، وسجلت بعض القوى السياسية المناوئة لهذه الرموز رحلات «هروب» متكررة.
هذه الحالات من الهروب - إن صحت - هي دلالة جديدة على أن البيئة السياسية البحرينية تمر بحال من اللاتوزان السياسي، وأن هذه الرموز لا تمتلك فعلاً «رؤية سياسية» قارة وثابتة. هي لا تتمتع بوحدة الخطاب السياسي من جهة، ولا تهتم بصوغ أي برامج سياسية لتحقيق أهدافها من جهة أخرى. وهذا الرمز أو ذاك، هو كـ «هارون الرشيد»، أينما تذهب المعارضة، وتحقق نتائجها الإيجابية، يأتي ريعها لي.. إلا أن الرشيد حين كان يسمع أن ثغراً إسلامياً تعرض للغزو مثلاً، لم يكن - على ما ذكرت السير - يذهب في «أسفار خاصة».
السياسي لا يستقيل، هو في مهمة تاريخية مستمرة في التوجيه، والنصح، والقيادة، وتحديد خيارات الأمة، وتبيان مصالحها. والهروب السياسي هو «تكتيك سياسي» جديد، ولبعض قادة الرأي البحرينيين الفضل في هذه الإضافة السياسية الرائدة.
السؤال، لماذا لا تقر بعض النخب السياسية بأنها لا تستطيع اتخاذ القرارات السياسية بشجاعة ومسئولية، وأنها لابد أن تنتظر «خراب مالطه» حتى تتفضل بخطاب أبوي كريم. ولماذا لا تحاول النخب من المستوى الثاني توجيه هذا السؤال للنخب الأولى؟، ولماذا لا تنفرد نخب المستوى الثاني بالقرار، وخصوصاً أن بعضها تمكن من صناعة مؤسسات سياسية منظمة أبهرت الحكومة، وكانت سبباً في أن تطلب الأجهزة الرسمية ممن ساعد في بناء هذه المؤسسات الخروج من البلاد!.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1270 - الأحد 26 فبراير 2006م الموافق 27 محرم 1427هـ