ليس في الحروب الأهلية منتصر وأن لبست لباس الزينة ووضعت مساحيق الجمال على اكفان الموتى.
ليس هناك فتنة مقدسة وأن كانت علبها موزعة من دكاكين طائفية. دائما الخاسر هو الوطن. قبل أن ندخل اللعبة الازدواجية لأجل نظام مصالحنا المشخصن على حساب الاوطان والمقام على جثة الوطن يجب ان نقرأ التاريخ جيداً. ماذا نفعتنا أكاذيب الدولة الصفوية والامبراطورية العثمانية كما يطرح على شريعتي، عندما راحا يكبران على حساب جمالية الإسلام في إيقاذ الفتن بين المسلمين؟
هل تستوقفنا الحرائق المشتعلة في ايرلندا بين المسيحيين، وفي بيروت، إذ انقسمت إلى بيروت شرقية وغربية؟ من المستفيد من التقسيم الطائفي بين الاقباط والمسلمين في صعيد مصر؟ خسرت اسبانيا بسبب الحروب الأهلية أكثر من مليون إنسان من خيرة ابنائها فهل نتعلم دروس التاريخ؟
كل العالم راح يراجع اخطاءه بعقل نقدي وبمراجعة معرفية لاخطائه الا نحن، فعقولنا تستخدم للاصطفاف الاثني، ولأجل تقديس (تابو) العرق ولعبادة عجل السياسة ووثنية المصالح. نرشها بحبات مؤدلجة وبسكر مزارع شرطة المافيات المشرعنة ثم نقول: هي من عند الله، في حين الحقيقة أن وراءها الهات بشرية سياسية جديدة تتستر خلف مسرح الصراع بميكافيلية قاتلة.
العالم في تواصل لتطوير نفسه. روسيا تتقدم في توفير النفط والغاز، والصين - المارد الاقتصادي القادم (كينك كونك) اقتصادي - في التصنيع، والهند راحت تصدر عقولاً في البرامج الإلكترونية وسنغافورا راحت تستثمر ذكاء ابنائها للابداع العلمي في الرياضيات وغيرها، والآن أصبحت أفضل مكان في آسيا يمكن أن تكون موجوداً فيه خلال اعصار ما، ونحن المسلمين مازلنا نعتاش ونرقص طربا على انغام التاريخ الملغم ونناقش سياقة السيارة وركوب الحمير أو الطائرة. تاريخ وحاضر مازالا يتفجران في وجوهنا معارك وهمية تزيدنا ضعفا على ضعف. العالم يتكلم بلغة الأرقام ونحن مازلنا نحلل عالماً مركباً معقداً من الانظمة والمصالح في ظل عولمة فاقعة بمبالغات عنترة وامرؤ القيس! ليس للخرف السياسي حدود وما أروع قول الرسول (ص) في توصيفه لنا في حديث «ستتداعى عليكم الأمم كتداعي الآكلة إلى قصعتها»، ثم يبين السبب «ليس من قلة وانما انتم كثرة ولكنكم غثاء كغثاء السيل».
نحن أمة الكم وهم أمة الكيف. نجلس صباحاً ومساء أمام خطيبنا الهزبر النحرير و(الهرير) نسمع الخطبة ثم نخرج ولا نجد فيها ولا رقماً واحداً ولا تحليلاً واقعياً واحداً. العالم في مكان ونحن في مكان على طريقة (وهكذا يا سادتي الكرام... أدور كالحبة في مسبحة الإمام... لا عقل لا رأس لا اقدام) انها عبادة الفرد وتوثين للفردية ولو كانت خاطئة. نحن بحاجة إلى خطاب جديد لا يلغي العصر ولغة المعرفة كي نكون رقماً صعباً في معادلة دولية تقوم على حرب العقول ومشروعات تقوم على الإنتاجية نشم فيها رائحة الخبز.
لا أومن أن هناك صحوة إسلامية كما ندعي والدليل هذا الخبل السياسي الطائفي المتفجر على مسالخ المصالح الفئوية بدماء الابرياء. العنف نطفته كلمة وخطبة وحروف ثم يتحول إلى فيروس في العقول ثم يتفجر قنابل عنقودية على الأرض. أزمة العراق اليوم أزمة أدمغة مفخخة واستحقاقات سياسية وكعكة اقتصادية وجبنة كبيرة يتقاتل عليها غالبية القطط السياسية - وليس كلهم - ويذهب ضحيتها الفقراء والأولياء والأماكن المقدسة، ولهذا وصل السيف أخيراً إلى رقبة المزارات المقدسة. ومن فعل ذلك ليس مسلماً وكل الطوائف منه براء.
العراق يجب أن لا يعمم نفسه في المنطقة. وفي الخليج نحن براء من تسليع وتسويق الانشطار العراقي ثم بيعه في مزادات تجار الطائفية. ويجب ان نرفض ايصال هذه البضائع التي ستؤدي إلى تسميم العلائق المجتمعية. سنين ونحن نتزاوج من بعضنا - سنة وشيعة - ونعيش جيران واخوة -مسلمين ومسيحيين - لذلك يجب ان نتحول جميعاً إلى رجال اطفاء وطنيين لإطفاء اي شرر طائفي يأتي مع هبوب سموم العراق الجريح. إن سلمنا الاجتماعي والأهلي نعمة لا تضاهيها نعمة. ونحن - خليجياً - ننعم بأوطان متينة قائمة على التماسك الوطني والشرعية التاريخية والسيادة فيجب أن نقفز على الحفر الطائفية التى تحفر للعراق ونكون عوناً لهم لا عليهم. عراق الإسلام والتعددية والتعايش. عراق ذو النكهة التصالحية مع الخليج والعالم الإسلامي والعربي
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ