عندما بدأت العمل في إعداد ملف اليوم من «جهينة» كان الموضوع الرئيسي الذي يهدف الملف أن يقيسه هو «ما الذي تحقق للمرأة البحرينية تحديداً من المشروع الإصلاحي»، وذلك بمناسبة مرور ذكراه الخامسة في 14 فبراير/ شباط الجاري، من خلال رصد آراء «نسائية» مختلفة عن هذا الموضوع.
ما الذي تحقق للمرأة البحرينية في عهد الإصلاح، وما الذي لم يتحقق بعد؟ كان هذا هو السؤال الرئيسي الذي طرحناه على عشر نساء يمثلن جهات متعددة، واهتمامات مختلفة. غير أن السؤال الذي بدا أكثر إلحاحاً من خلال الحوار هو: هل يمكن أن نفصل ما تحقق للمرأة البحرينية، عما تحقق للرجل البحريني، أو بالأحرى المجتمع البحريني في عهد الإصلاح. وهل يمكن أن نقيس ما تبقى للمرأة أن تحققه، بما تبقى للرجل، أو المجتمع أن يحققانه.
طبعاً الفصل هنا غير مقبول على المستوى النظري، لأن المرأة عضو قائم في مجتمع متفاعل، قضاياه مشتركة، وإنجازاته مشتركة من الصعب فصلها، وإخفاقاته أيضاً مشتركة.
إلا أن هذا الفصل قائم فعلياً على أرض الواقع، وفي أذهان الناس، النساء منهم والرجال، والذين يمثلون بمجملهم المجتمع بأسره.
الإنجازات
فمازالت الإنجازات النسائية، تتمثل في فتح المجال للمشاركة السياسية للنساء، من خلال الترشيح أو الانتخاب، أو عضوية الجمعيات السياسية، أو تأسيس هيئة رسمية ذات سلطة قوية بحجم «المجلس الأعلى للمراة». ومازالت هذه الإنجازات محسوبة للمرأة، دون الرجل، ودون المجتمع. كأنما المرأة مخلوق فضائي جاء من كوكب آخر، أو كأنها فئة إثنية أو أقلية في المجتمع، تحتاج إلى مشروع إصلاحي يسجل «إنجازات» في حقها. على رغم أن المنطق يقول إنها جزء من المجتمع، وأن أي إنجاز يحققه المجتمع، يحسب لها، وأي إنجاز تحققه هي، هو إنجاز حققه المجتمع بأسره.
غير أن المنطق يسري فقط في حيز إنجازات الرجل، لأنها تعتبر دوماً إنجازات منطقية و«مجتمعية»، فالإنجاز الذي يحققه الرجل هو الإنجاز الذي حققه المجتمع، والعكس بالعكس. وضمن حيثيات هذه الإنجازات، عنوان فرعي يسوق ما تحقق للمرأة من إنجازات، كتفصيل لا بد من ذكره، وكفئة لا بد أن لا يتم تهميشها.
مازلنا نتعامل مع المرأة على أنها فئة في المجتمع، وليس جزءاً من المجتمع، ومازلنا نفكر في الإنجازات التي تمسها، على أنها إنجازات خاصة بها وحدها، معتبرين أنها المستفيد الأوحد منها.
ولكن الأمور أفضل حالاً بكثير عما سبق، فعلى الأقل هناك إنجازات تمس المرأة، مقارنة بوقت لم تكن هناك فيه أية إنجازات لا « نسوية» ولا «مجتمعية». ويجب أن ندعم الإنجازات، ونحاول أن نتجاوز الإخفاقات، بأن نصلحها ونقومها.
الإخفاقات
أما الإخفاقات فهي كثيرة، و متنوعة، تتضاءل الإنجازات أمامها، أو تبدو منقوصة غير مكتملة. فقد «أخفقت» المرأة البحرينية في نيل الكثير من حقوقها ومطالبها، وحل كثير من مشكلاتها. وعلى رغم أن كلمة «إخفاق» قد تثير «استهجان» البعض، فإنه لا ضير من تسمية الأمور بمسمياتها، لأنها قد تخلق دافعاً قوياً للتغيير. مازالت المرأة تعاني في مواقع العمل من التمييز لصالح الرجل، وتعاني في المنزل من العنف الأسري، وتعاني في القضاء من الأحكام الجائرة بحقها. ومازالت الجهود النسائية مقصورة ضمن إطار الجمعيات النسائية، ومازال إشهار الاتحاد النسائي معلقاً، ومازالت الجهود الرسمية على رغم سعيها الحثيث لتمكين المرأة في المواقع المختلفة، قاصرة عن دفع الناس للتصويت للمرأة في الانتخابات المقبلة.
من يحقق الإخفاق إلى إنجاز؟
كل هذه التحديات، وأكثر منها، تواجه المرأة في المرحلة المقبلة من عمر المشروع الإصلاحي، تمتحن فيها إمكاناتها، وقدراتها على التحمل والصمود، وتحويل «الإخفاقات» إلى «إنجازات تاريخية». وربما التحدي الأكبر، والأصعب، والأطول أمداً في الإنجاز، هو تغيير نظرة المجتمع للمرأة، وخلق صورة نمطية جديدة للمرأة في أذهان الناس، رجالاً ونساءً، تصورها على أنها إنسان فاعل، مؤثر، وليست مجرد تابع غير ذي تأثير.
ومرة أخرى، ليس هذا التحدي مقصوراً على المرأة، فهو تحد يواجه المجتمع بأسره، لأن نهوضه يحتم نهوض جميع أعضائه، رجالاً ونساءً. ولأن أي إنجاز يحسب للمرأة، يحسب للمجتمع بالضرورة، لرجاله وشيوخه وأطفاله، ولجيل جديد يسعى للتغيير، وأي إخفاق يسجل على المرأة، سيسجل بالضرورة إخفاقاً في سجل المجتمع بأسره، رجاله وشيوخه وأطفاله، وجيله الجديد الذي يسعى للتغيير
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ