العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ

التنين الصيني يحتفي باللغة العربية

شئون وشجون بحرينية صينية (9)

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول 2005 رتبت وزارة الخارجية الصينية رحلة إلى مدينة شيان للمشاركين في تلك الندوة. بيد أنني اعتذرت عن هذه الزيارة لأني زرتها مرتين وبالقرب من هذه المدينة التاريخية يقع ضريح الامبراطور الأول للصين تشين شيهوانغ 209 ق م - 210 ق م وهو موحد الصين وباني نهضتها الحضارية. ما أحوجنا نحن العرب إلى امبراطوري عربي مثله يوحد العرب ويرفع رايتهم ويعلي شأنهم.

حضرت في هذا اليوم حفل استقبال العيد الوطني المجيد الذي أقامه سفير البحرين لدى بكين كريم إبراهيم الشكر، وقد ضم إلى جانب المسئولين الصينيين والدبلوماسيين الأجانب الكثير من الأصدقاء الصينيين القدامى الذين عرفتهم خلال سنوات التسعينات في بكين. ومنهم البروفيسور لي قوانغ بي. وهو ضليع في اللغة العربية وملم بآدابها وتراثها الحضاري والثقافي واللغوي وكأنه واحد من أبنائها. وقد عمل فترة طويلة في سفارة الكويت إبان الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين وترجم بعض أعمال الشيخة سعاد الصباح الشعرية. وذكر أنه الآن أستاذ ومراسل في بعض الجامعات الصينية ومراكز الأبحاث التي تعنى بدراسة اللغة العربية وآدابها، وكذلك بالدراسات السياسية والاستراتيجية. وبعيدا عن السياسة وأجوائها الملغمة التي لا يميل كثير من أهل الفكر والأدب من الصينيين إلى الخوض في شئونهم الداخلية لذلك نجدهم يتوجسون خيفة وفرقاً، ويؤثرون السلامة. لي ذكر أن الصينيين يتعلمون اللغة العربية ويتفوقون في دراستها وأصبحوا مالكين لناصيتها إلا أن المبتدئين من الطلبة الدارسين لها يشتكون مر الشكوى من صعوبة هذه اللغة ويتطلعون إلى تذليل الصعوبات الكامنة في القواعد والصرف حتى تواكب عالمنا المتغير واللاهث وراء كل جديد ولاسيما في مجال التقنية والاتصالات والإنترنت. إنه يبحث عن مصطلحات بسيطة وعملية تواكب روح العصر المتسارعة نحو الأفضل. وسألخص ما سمعته من أكثر من لغوي وأديب صيني عن الصعوبات التي يعانيها الطلبة الصينيون. ومنها بعض الحروف العربية مثل حرف الضاد الذي ليس له أي وجود في لغات العالم الأخرى. والعربية تكتب من اليمين إلى الشمال بعكس اللغة الصينية وكثير من اللغات الأوروبية الأخرى. أضف إلى ذلك صعوبة النحو والصرف. وإن مشكلة النطق للحروف العربية التي تخرج من الحلق والأسنان واللثة مع طرف اللسان ومقدمته مثل الحروف «ثاء، زاء، طاء، ظاء، قاف». هذه الحروف لا وجود لها في اللغة الصينية وهناك صعوبة في التنقيط والتشكيل وفي التفريق بين النكرة والمعرفة. وكذلك قراءة الحركة الإعرابية والمد والشدة. لذلك فإن تعلم اللغة العربية بحاجة إلى تمرينات كثيرة لإتقانها أو على أقل تقدير الإلمام بها. كما أن هناك مشكلة الكتابة في اللغة العربية. فلكل حرف أربعة أشكال بمفرده وفي مقدمة الكلمة وفي وسطعها وفي آخرها. ومن الأمور المستهجنة لدى الأجانب المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى وكذلك الجمع بأنواعه المختلفة. والفعل في اللغة الصينية واحد في جميع الحالات كما أن الجمع واحد في كل الصيغ. ولكن ماذا يقول الدارسون العرب للغة الصينية في المعاهد الصينية؟ إنهم يشتكون مر الشكوى من صعوبة اللغة الصينية نطقا وكتابة. الحروف الصينية صعبة على الألسن العربية والإفرنجية لأن لكل لفظ صيني أربع نغمات وكل نغمة مختلفة عن الأخرى ولها أيضاً معنى مختلف. إذاً نغمات الألفاظ الصينية صعبة ومتغيرة. والحروف الصينية حروف معقدة من حيث اللفظ والشكل وهي تقرب من الأشكال الهيروغليفية. وبطبيعة الحال فإن كتابتها أيضاً معقدة جداً وهي أقرب من الأشكال الفنية الغريبة. بينما تبقى الكتابة العربية بخطوطها المختلفة والمتعددة من رقعة ونسخ بمثابة فن رائع جميل ذي نقوش خلابة. وهذا الرأي سمعته من كثير من الأساتذة الصينيين الضليعين في اللغة العربية. وكانت لي تجربة صعبة في تعلم اللغة الصينية استمرت سنة كاملة على يد الأستاذ ليو. وكان يتقاضى أجرته بالدولار الأميركي ولا يقبل اليان الصيني. واكتفيت بعد ذلك بتعلم المفردات اليومية الصينية الضرورية عندما أذهب إلى الأسواق مثلا ولا أذكر أنني التقيت أي أستاذ صيني متمكن من اللغة العربية إلا بادرني بقوله إن اللغة العربية أصعب لغة على وجه البسيطة. ولعل الأستاذ قوا أو أسعد وهذا اسمه باللغة العربية خير من عبر عن ذلك وحاول القيام بتبسيط بعض المفردات أو المصطلحات العربية لتواكب روح العصر. وقد قدم هذه الدراسة إلى رئيس المجمع اللغوي العربي بمصر المرحوم شوقي ضيف. ووجد استجابة وتشجيعاً على جهده العلمي. ومن الأساتذة الصينيين الأفذاذ المختصين في اللغة العربية المسلم محمد متين وهو رائد في تعليم اللغة العربية وقد ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الصينية ووضع مع زميله الصيني ليو لين واسمه رضوان الأساس لقسم اللغة العربية بجامعة بكين وكلاهما تخرج في الأزهر العام 1931. إذاً هناك قواسم مشتركة إنسانية وروحية وثقافية بين الحضارتين العربية والصينية. ومادام الحال كذلك فلابد من تعزيز هذا التواصل وتقويته بين الجانبين في المجال العلمي والأكاديمي وتفعيل الاتفاقات الموقعة بين الطرفين. وهناك نفر كبير من هؤلاء الأدباء الذين تعرفت عليهم خلال عملي ببكين يكنون للعرب حبا جما ومنهم الحاج علي الدكتور لي تشين شونغ وهو مسلم وقد التقيته أخيراً في تونس خلال عملي هناك، وذلك في ندوة للعولمة سنة 1999. ولم أتمكن من لقائه في بكين أخيراً. وكذلك الصديق شي سي تونغ (شريف) وهو مختص في تدريس الصوتيات والنطق باللغة العربية. وقد وضع قواعد خاصة تسهل على الطلبة الصينيين الدارسين للعربية نطق الحروف العربية بطريقة صحيحة ومبسطة. يقول الصينيون إن الإسلام قد دخل الصين وانتشر فيها بدءاً من العام 651 هـ وأصبح كثير من المسلمين الصينيين يحملون أسماء دينية. وعندما يولد ولد صيني مسلم يحمله والده إلى المسجد ويطلق عليه الإمام اسما دينيا. وخلال عملي في الصين وزياراتي الكثيرة والمتعددة لمعاهد اللغة العربية بالجامعات الصينية فوجئت بأن كل الطلبة الصينيين الذي يدرسون في أقسام اللغة العربية يحملون أسماء عربية وهذا الشيء ينطبق أيضاً على معظم الدارسين الصينيين للغة الإنجليزية فهم يحملون أسماء أوروبية. عندما قلت لأستاذ صيني إن قولا مأثورا ينسب إلى النبي محمد (ص) فحواه اطلبوا العلم ولو في الصين وكذلك اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد... وإذا بهذا الأستاذ الصيني يورد أقوالا وحكما لكنفشيوس حكيم الصين منها اطلب العلم وذاكره دائماً تجد لك فرحا عارما. وقال أيضاً لا ترض لغيرك ما لا ترضاه لنفسك.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فيما يتعلق بصعوبة اللغة الصينية، إذ قمت بتكليف ونفو (فريدة) وهي أستاذة وباحثة وضليعة في اللغة العربية بترجمة كتاب الأساليب الشعرية للأستاذ الكبير المرحوم إبراهيم العريض إلى اللغة الصينية تقديرا لهذا الرائد الأديب والمفكر العظيم البحريني الذي كثيراً ما شكا لنا نحن تلاميذه خلال حقبة الستينات بل والسبعينات من القرن العشرين الماضي من أنه قد عرف العالم العربي إنتاجه الأدبي والثقافي وقدروه أجمل تقدير وذلك قبل احتفال بني وطنه به. وكان هذا يؤلمه ويحز في نفسه إلا أنني قد سعدت مثل غيره من تلاميذه بما نال من تقدير واحترام واكبار من حكومة البحرين، إذ كان رئيساً للمجلس التأسيسي في العام 1976 كما عين فيما بعد سفيراً في وزارة خارجية البحرين حتى وفاته. وقد ذكرت فريدة أنها بذلت جهداً كبيراً في ترجمة هذا الكتاب العظيم وما اشتمل عليه من دراسات أدبية ونقدية وكذلك نصوص شعرية، وذلك بمساعدة مجموعة من الأساتذة الصينيين المختصين في اللغة العربية كما أنني ختمت أيضاً عملي في بكين في أغسطس/ آب 1997 بإصدار كتاب شامل عما تحقق في البحرين من إنجازات سياسية واقتصادية وتعليمية ولاسيما بعد حقبة الاستقلال الوطني في العام 1970.

أول سفير بحريني لدى الصي

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً