يعجبك المراهنون على تماسك الصف بشتى أطيافهم على رغم حمامات الدم التي بدأت تسيل على الأرض. ويشعرك بالاعتزاز الموقف المنصف في المنعطفات الخطيرة التي تهدد بانتكاسة الأمة. وتهدئ من روعك الكلمة الطيبة التي تسمعها من الطرف الآخر في أحلك الظروف. لكن قل: مارأيك في جماعة من بني جلدتك تتمترس خلف مبان لا تتجاوز مساحة أحدها في أحسن الأحوال 100 متر مربع، تتحرك لتعبث بمصير أمة تمتد رقعتها من طنجة إلى جاكرتا؟ ما رأيك في مبان تتخذ من أرض العروبة موقعاً ومن الإسلام هوية، على رغم ان وظيفتها لا تعدو إخراج بضع وريقات في كل صباح، (من المفترض ان تحمل في طياتها ما ينفع الناس)، فإنك تجد مهمتها تتحول بين يوم وليلة الى حرب تصفية حسابات؟
صحيح أن الوقوف على جادة الوسطية في «حرب المقدسات» أمر صعب للغاية، والكل يقر بهذا، ولكن الأصعب منه الانزلاق خلف الفتن المدمرة بلا هوادة. وخصوصاً إذا تعلق الأمر بمصير شعوب لا شعب واحد، وبملايين الأرواح لا روح واحدة. فما بال صحافتنا لا تفقه؟... وما بال من وراءها لا يعقلون؟ «أم على قلوب أقفالها»؟
بالأمس، كانت اللافتات العاشورائية مادة دسمة استغلها البعض في خطة بدت وكأنها مدروسة باتقان، وخصوصاً انها انطلقت من «مهزلة نيابية» وامتطت ظهر الصحافة ثم استقرت في احضان الحكومة التي باركتها في غضون يومين فقط. ولم يكن من المرجح ان تنتهي هذه الفتنة بهذه السرعة لولا حكمة الطرف الآخر ورويّته في التعامل مع الأمر.
أما اليوم، والجرح لما يندمل... جرح القبة التي تكمن قدسيتها في قداسة امتدادها لخط رسول الأمة (ص)، وعلى رغم ان فتاوى المرجعية العاقلة فصلت في الأمر بتحريم المساس بأي مسجد درءاً للشر، وعلى رغم ان ما حصل من ردات فعل (مستنكرة) جاء خارجا عن أمر المرجعية، وعلى رغم تعالي الأصوات من كل الأطراف بشتى أطيافها الداعية إلى الهدوء والحذر، فإنك تتفاجأ بتلك الصحافة مجدداً تفتح أبوابها بمزيد من شعل نارية شجبها الصديق قبل العدو. ولا سؤال سوى: من يدعم هذا التوجه الخطر في هذا الوقت الحرج؟
إذا كان ما يعتقده الكثيرون بأن لبعض المسئولين في البلد يد في هذا النزق الصحافي صحيحاً، فذلك اختراق كبير لتصريحات القيادة السياسية وخصوصا الاخيرة منها، واما إذا كان ذلك مجرد تكهنات فعلى القيادة أن تقول كلمتها الفصل في هذا الوقود الذي سيحترق به (الحارق والمحروق).
اخيراً... مسيرة الأمس، برقمها الصعب لا ينبغي قراءتها بمنطق التحدي، ولكن هناك منطق عقلاني آخر يقول ان هذه الحشود وغيرها وجدت من يخفف من انفعالاتها، ويمسك بزمامها، فمن يستطيع بالمقابل الإمساك بزمام الصحافة الموتورة والتصريحات الحمقاء التي تتحمل مسئولية تبعاتها أمة بأكملها؟!
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 1268 - الجمعة 24 فبراير 2006م الموافق 25 محرم 1427هـ