... إيران تستهلك الوقت «للنفاذ» ببرنامجها النووي بعيداً عن أعين المجتمع الدولي، وبذلك تكتسب الخبرات الكافية للتعلم ومعرفة علوم هذه التكنولوجيا المتطورة... ولذلك يجب الاستعجال في معاقبتها ووقفها عند حدها الآن وقبل فوات الاوان!
هكذا يحذر الأميركيون وبعض الدوائر الغربية... على حماس أن تختار بين «الإرهاب» والسياسة والا فإن مقولة صناديق الاقتراع والديمقراطية لن تحمي الشعب الفلسطيني من سياسة التجويع والحصار!
هكذا يتعامل المجتمع الدولي الحر والديمقراطي مع مسار الديمقراطية في فلسطين...
على سورية أن تتعامل بشكل كامل مع جميع القرارات الدولية التي تدينها وتحملها كل ما يجري في لبنان والعراق من مسلسل للعنف والاغتيالات الكبرى والصغرى والا فإن مطلب تغيير «سلوك النظام» سيتحول عاجلاً أم آجلاً إلى ضرورة اسقاط هذا النظام!
هكذا يتصرف التحالف الأميركي الفرنسي مع دمشق عندما تبدي ممانعة للمشروع الشرق أوسطي الكبير... على العراقيين أن يشكلوا في كل مرحلة من مراحل «تحررهم» الجديد الحكومة المناسبة لأجندة «قوات التحالف المتعددة الجنسيات» والا فإن أمامهم مزيداً من عمليات التفخيخ الطائفي والمذهبي والامعان في قتل الوطن الواحد والتهديد بحرب أهلية قد تنفجر في أية لحظة.
هكذا يتصرف «المنتدبون» على مستقبل العراق الجديد رضي بذلك الشعب العراقي أم لم يرض ومن يسأل عنه أصلاً؟!
على لبنان أن ينسى تماماً نموذج المقاومة والتحرير وعلى جيشه أن يتخلى عن العقيدة الوطنية الجديدة المكتسبة «لبنان قوي بنهج المقاومة» والا فإن الاقتتال وسيف الحرب الأهلية واشعال الفتن الطائفية والدينية وفيدرالية الطوائف الضعيفة هي البديل المستحدث لعقيدة «لبنان قوي بضعفه».
هكذا يتصرف الفرانكفونيون الجدد في إطار تحالف وثيق مع مروجي سياسات المحافظين الجدد في بلاد الشام...
ثمة شعور عام بأن يداً «سحرية» ما تحرك كل هذه الحوادث في إطار «فتنة متنقلة» توظف خلالها مجمل معاناة شعوبنا وفي التاريخ المعاصر باتجاه منع أي تقدم ملموس نحو التحرر أو الوحدة أو الاستقلال الناجز.
إيران تعاقب اليوم لأنها ذهبت بعيداً في سياسة الابتعاد عن مذهب «دول الإطار» التي كانت تحمي «إسرائيل» في زمن الشاه البائد إلى جانب تركيا والحبشة آنذاك.
وسورية تعاقب لأنها أغلقت خط انبوب كركوك - بانياس في العام 1982 دعماً لإيران في مواجهة الحرب العبثية التي فرضها النظام العراقي البائد على الشعبين العراقي والإيراني آنذاك.
والعراق يعاقب لأنه لم يقدم البديل المناسب لخط كركوك - بانياس لا عبر العقبة ولا غيرها كما حاول رامسفيلد مراراً عندما كان نائباً لوزير الدفاع. ولبنان يعاقب لأنه قرر الطلاق النهائي مع مقولة «لبنان قوي بضعفه» واختار نهج «لبنان قوي بمقاومته وتضامنه مع جيرانه واشقائه». وفلسطين تعاقب طبعاً لأنها تريد إحياء أصحاب الأرض الحقيقيين ووضعهم على الخريطة السياسية والجغرافية كما يجب...
أليس كذلك؟ والا ما معنى أن تتوحد الرسائل وتتقاطع وتتواتر وتجتمع وتتشابك عند عنوان واحد مفاده «مستعدون لشن حرب نووية من أجل (إسرائيل) والنفط» والذي بات مضمون كل التهديدات والاغراءات التي تصل إلى مطابخ صناعة القرار في منطقتنا العربية والإسلامية.
رب قائل يقول: وماذا عن مساهمات الاستبداد والدكتاتورية والطغيان والوصاية واحادية الحزب الواحد والقهر الإنساني هنا والقهر الطائفي هناك وطغيان الأكثرية العرقية هنا أو تجاهل التنوع الديني أو المذهبي أو القومي هناك... مساهمات كل هذه «الظاهرات» التي كان ولايزال بعضها متصلاً بوضعنا الراهن - فيما آلت إليه أوضاعنا الراهنة؟! نقول: إن ما يدعوننا إليه أو ما يسوقوننا إليه ما هو في الواقع الا الوجه الآخر القبيح للعملة أو الصورة المشوهة لحقيقة ما يجب أن نكون عليه.
بمعنى آخر، فإن ما يخطط لنا هو: اما ان نأكلكم جميعاً أو نأكلكم فرادى! المهم أن نأكلكم! انظروا نوع الشروط المطروحة على كل طرف من أطراف المواجهة المعنية بشكل أو بآخر بمقولة النفط و«إسرائيل»: الفلسطينيون ممنوع عليهم أن يستنجدوا بابناء جلدتهم من العرب أو باشقائهم المسلمين، ومن يتجرأ من العرب أو المسلمين على التضامن معهم فهو داعم للإرهاب أم لم يكن «المصرف المركزي للإرهاب»! وما على الفلسطيني الا تسليم أوراقهم كافة إلى من بيده خريطة الطريق ليقدم له فتات المساعدات الدولية! في حين أن «إسرائيل» يجب أن تكون بوابة العبور لكل من يريد الانتماء للحظيرة الدولية المتحررة!
والعرب ممنوع عليهم ان يتفهموا الطموح النووي الإيراني والا فإنهم سيتهمون بالمشاركة في «حرب لا سامية» تخطط لإبادة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!
والإيرانيون ممنوع عليهم أن يخرجوا من حدودهم الجغرافية القومية أو أن يتدخلوا فيما لا يعنيهم في العراق أو لبنان أو سورية أو فلسطين، وخصوصاً الأخيرة فهي من المحرمات التي يغفر ما دونها حتى النووي أن اردتم بشرط توقيع صك الاعتراف بالدولة العبرية كما هو مضمون أكثر من رسالة غربية تصل باستمرار إلى طهران مباشرة أو بالواسطة. إنه قانون الغلبة واختلال موازين القوى وسياسة الاجحاف المترافقة بكم هائل من الاذلال المتعمد. ومن لا يصدق القول الا بالصور فليتأمل طويلاً قصص التعذيب التي لا تنتهي فصولها في أبو غريب والبصرة و... غوانتنامو.
نعم، ليس هناك من عاقل واحد ينكر أن للاكراد حقوقاً يجب أن يستوفوها وان للسنة حقوقاً يجب أن يستوفوها وان للشيعة حقوقاً يجب أن يستوفوها وان للتركمان وان للمسيحيين وان... وان للبنانيين طموحات استقلالية وسيادية وان الافارقة من السودانيين حقوقاً وان للامازيغيين من المغاربة حقوقاً وان للاقباط حقوقاً وان للارمن حقوقاً وان... وان لهذه الفئة أو تلك حقوقاً... ولكن ذلك كله لا يتحقق بتمزيق حقوق الآخرين ولا باشاعة حروب ابادة متبادلة ولا باستنهاض ما هو نائم من فتن، والاهم من كل هذا وذاك لا يتم من خلال توظيف هذه المشاعر المحقة والعادلة في برنامج حرب «الهويات القاتلة» والفتن المتنقلة من أجل «إسرائيل» والنفط واستراتيجية «أمن الطاقة» التي يقودها فريق المحافظين الجدد على أرض الشرق الأوسط الكبير!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1268 - الجمعة 24 فبراير 2006م الموافق 25 محرم 1427هـ