إلى أين تريد الولايات المتحدة أن تدفع المنطقة العربية/ الإسلامية؟ هذا السؤال يكتسب شرعية سياسية من خلال مراقبة تلك الاتجاهات التي تعمل واشنطن على عقدها في ضوء المتغيرات التي طرأت على دائرة «الشرق الأوسط الكبير» بعد اجتياح أفغانستان في العام 2001 وغزو العراق في العام 2003.
منذ خمس سنوات تخطط إدارة «البيت الأبيض» إلى جرجرة المنطقة العربية/ الإسلامية إلى دائرة الاقتتال الأهلي لتحقيق أهداف استراتيجية التقويض التي تعتمد سياسات المحاور واللعب على تناقضات القوى وتحريك مشاعرها المذهبية والطائفية.
ما حصل ويحصل في العراق والسودان ولبنان وغيرها من البلدان ليس مصادفة. فالحوادث المتفرقة التي تقع هنا وهناك مترابطة ومنتظمة وتدفع بالقوى دفعاً نحو التصادم والاقتتال.
الحوادث ليست عفوية كلها. كذلك سياسة اللعب بالتحالفات وتعديل المحاور وترتيب سلم جديد للأولويات كلها خطوات تؤسس نوعاً من العداوات وتشجع الأطراف على الاستقواء بـ «الخارج» ضد «الداخل» في وقت يكون الهدف هو إضعاف الجميع من خلال تأليب القوى ضد بعضها.
هناك أولوية أمنية جديدة بدأت واشنطن تخطط لها في المنطقة منذ قرابة العام. وتتجه الأولوية إلى وضع الملف النووي الإيراني على رأس جدول أعمال الاتصالات والزيارات والجولات المكوكية التي تقوم بها رموز الإدارة الأميركية. وحين تضع الولايات المتحدة الملف النووي الإيراني على رأس اهتماماتها الأمنية فمعنى ذلك أنها تحاول دفع دول المنطقة العربية والإسلامية إلى نوع من الاصطفاف السياسي يتناسب مع حاجات هذا الهدف الذي تريد حسمه بأسرع وقت ممكن.
اختلاف الأولويات الأمنية لدى الإدارة الأميركية يعني سياسياً البدء في تحضير الأجواء العامة لتقبل أي خطوة غير متوقعة في هذا المجال. كذلك تفضي الأولوية الجديدة إلى رسم خطة تقوم على فكرة تهدئة الانفعالات في مكان وتوتير الأجواء في مكان آخر. وهذا لا يمكن أن يحصل بسرعة الا إذا أثيرت مشكلات دفينة من خلال اللعب على الأوتار الطائفية والمذهبية التي تتحكم في مشاعر المنطقة.
ما حصل في العراق من تدنيس للمقامات وتفجير المراقد وما أعقبه من ردود فعل سلبية وسيئة يصب في مصلحة هذا الاصطفاف الجديد الذي تدفع الولايات المتحدة المنطقة العربية الإسلامية إليه.
الاصطفاف يتطلب موضوعياً إعادة النظر في التحالفات السابقة وخلط الأوراق وترتيب محاور قادرة على تفهم حاجات الولايات المتحدة الأمنية وخطتها المقبلة. وهذا الأمر لا يتحقق بالحوار والتفاهم وانما يحتاج إلى تأجيج المشاعر واثارة الفتن ودفع القوى السياسية إلى اتخاذ مواقف اضطرارية ومنفعلة. فالحوادث أحياناً تستدرج الكثير من الناس إلى مواقع طائفية ومذهبية من دون وعي منها لخطورة المصيدة التي حفرت لها للوقوع فيها.
أميركا تعرف المنطقة جيداً وهي تعلم أن القوى السياسية لاتزال مشدودة إلى عناصر اجتماعية تحركها الغرائز المذهبية والطائفية. وعلى هذه الغرائز العفوية أو «المؤدلجة» تعتمد أميركا كثيراً وتراهن عليها للإسراع في تغطية أهدافها الجديدة للسيطرة على الملف الأمني الإقليمي. فاللعب على هذه الحساسيات الدفينة يؤدي إلى العبث بتوازنات المنطقة ويسعف واشنطن كثيراً في اختصار الوقت وإعادة تركيب تحالفات ومحاور جديدة تتجانس مع خطتها المقبلة.
ما حصل ويحصل في العراق والسودان ولبنان يصب في إطار دائرة متقاربة على رغم تباعد المسافات الجغرافية. فالقانون واحد حتى لو اختلفت آليات تحريك تلك التناقضات واللعب عليها.
هذا النوع من التحريك للمشاعر الطائفية والمذهبية من أخطر الأسلحة الجرثومية التي بدأت واشنطن استخدامها ضد أهل المنطقة العربية والإسلامية. وفي حال استمرت الحساسيات تقود العواطف فمعنى ذلك أن أميركا نجحت جزئياً في جرجرة دول المنطقة العربية الإسلامية إلى اتخاذ مواقف معينة - وربما اضطرارية - لحماية أمنها من مخاطر وهمية ومفتعلة.
سياسة تخليق الأعداء وادعاء البراءة وعدم المعرفة كلها تكتيكات أميركية قديمة اعتمدتها إدارات واشنطن على مر العقود. إلا أن هذه الإدارة الشريرة التي يقودها الثنائي تشيني - رامسفيلد فاقت كل التصورات في عبثها بأمن المنطقة واستقرارها بذريعة إصلاح الأنظمة وتطوير الأسس التقليدية التي نهضت عليها الدول في العقود الأربعة الأخيرة.
إلى أين تريد الولايات المتحدة دفع المنطقة مسألة معروفة ويفهمها الجميع. فالكل يدرك المخاطر والكل يعلم ما هي أهداف أميركا الحقيقية... ولكن هذا الكل يتحرك ويتصرف باتجاهات متضاربة وغير موحدة أو منسقة. وهذا بالضبط ما تريده واشنطن حتى يصيب مشروعها التقويضي النجاح. فهل فات الأوان أم هناك فسحة للتفكير والأمل؟ الأمور سيئة، ولكن التفاؤل بالخير سنة حسنة وواجبة على الجميع
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1268 - الجمعة 24 فبراير 2006م الموافق 25 محرم 1427هـ