العدد 1267 - الخميس 23 فبراير 2006م الموافق 24 محرم 1427هـ

إنفلونزا الطيور... الكلفة المالية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع انتشار مرض انفلونزا الطيور تدور في الأذهان أسئلة كثيرة هل يصل المرض إلى منطقتنا؟ وهل ينتقل من الطيور إلى الإنسان وهل إذا انتقل إلى الإنسان ينتقل إلى إنسان آخر بالعدوى؟ والسؤال الذي لا يقل أهمية هل هناك خوف من أكل الطيور أم أن المرض لا ينتقل عن طريق أكل الطيور؟ أسئلة منطقية ومباحة... على الجهات ذات العلاقة تصميم وتنفيذ البرامج الكفيلة بتطمين المواطن وحمايته.

تاريخ الجانحة

قليلة تلك هي الأسئلة التي قد تتبادر إلى الأذهان حول كلفة التصدي لجانحة مثل جانحة إنفلونزا الطيور، للحد من سرعة انتشارها، ومن ثم درء أخطارها. وقبل تناول ذلك يستحسن العودة إلى تاريخ اكتشاف المرض ذاته وإلقاء نظرة سريعة على تطوره.

تم اكتشاف إنفلونزا الطيور في ثماني دول منذ نهاية العام 2003، وهي: فيتنام، كمبوديا، تايلند، الصين، إندونيسيا، اليابان، لاوس وكوريا الجنوبية.

وقد توفي 33 شخصاً في فيتنام منذ ذلك الحين بعد الظهور المتكرر للمرض، وتوفي 12 آخرين في تايلند. وقد تم إنفاق قرابة 18 مليون دولار من متبرعين متعددين على هذه الأزمة منذ نهاية العام 2003 وقد تم إنفاق 8 ملايين منها في فيتنام وحدها ولم تكن هناك أرقام متاحة للمساعدات الثنائية.

كان يعتقد أن انفلونزا الطيور تصيب الطيور فقط إلى أن ظهرت أول حالة إصابة بين البشر في هونغ كونغ في العام 1997.

وكان جميع الذين أصيبوا بالمرض في العام 1997 والبالغ عددهم 18 حالة يحتكون مباشرة بحيوانات حية سواء في المزارع أو في الأسواق.

وهناك الكثير من أنواع انفلونزا الطيور إلا أن النوع المعروف باسم «إتش5 إن1» هو الأكثر خطورة إذ تزيد احتمالات الوفاة بين البشر المصابين بهذا النوع من الفيروس.

تعد أية جائحة انفلونزا حدثاً نادر الوقوع لكنه يقع دورياً. فقد حدثت ثلاث جوائح منها في القرن الماضي وهي: «الانفلونزا الأسبانية» في العام 1918، و«الانفلونزا الآسيوية» العام 1957، و«انفلونزا هونغ كونغ» العام 1968. وقضت جائحة العام 1918 على ما يقدر بـ 40 إلى 50 مليون نسمة في جميع أنحاء العالم. وهذه الجائحة التي كانت استثنائية تعتبر واحدة من أشد حوادث المرض فتكاً في تاريخ الإنسانية. وكانت الجائحتان اللتان حدثتا فيما بعد أخف وطأة بكثير، إذ تشير التقديرات إلى هلاك مليوني نسمة العام 1957 ومليون نسمة العام 1968.

الكلفة المالية

في العشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي صرح وزير مالية نيوزلندا موضحا الكلفة التي ستتحملها بلاده فيما لو اجتاحتها الجانحة قائلا «أن جانحة انفلونزا الطيور قد تكبد اقتصاد البلاد ما يتراوح بين 20 و30 مليار دولار وأن الرقم قد يصل إلى 40 مليار دولار خلال الأربع السنوات المقبلة». وحذر الوزير من مغبة ترافق ذلك، ومن جراء الكارثة أيضا، إلى تراجع في الدخل القومي السنوي بما يتراوح بين 20 و30 في المئة.

أما في جنوب شرق آسيا، فقد كان البنك الدولي قد قام بدراسة أخرى حول انعكاسات تلك الجانحة ماليا على بعض دول العالم وخصوصاً دول شرق آسيا.

ومما جاء في تلك الدراسة أن قطاعات السياحة والمواصلات ناهيك عن التجارة لابد وأن تتضرر في حال ظهور جانحة انفلونزا الطيور، وقدرت الدراسة أن النمو الاقتصادي في بلدان شرقي آسيا سيتباطأ خلال العام 2006، لكن تباطؤه سيزداد في ما لو اجتاحته جانحة أخرى. وحذرت دراسة أخرى مستقلة صدرت عن بنك التنمية الآسيوي من أن الأضرار التي قد تمس الاقتصاد الوطني، فيما لو اجتاحته جانحة جديدة، قد تربو على 282 مليار دولار، على افتراض أن 20 في المئة من السكان سيصابون بالمرض.

وفي الولايات المتحدة أعلنت واشنطن أنه على رغم كون الجانحة عالمية لكن لابد من أخذ المزيد من الاحتياطات على النطاق الوطني، وجاء على لسان وزير الصحة الأميركي ليفت «أنه قد تم تخصيص 100 مليون دولار بشكل آني وسريع من أجل التصدي للجانحة». وأضاف «أن هذا المبلغ هو جزء من 350 مليون دولار تم رصدها بموافقة الكونغرس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي لمواجهة احتمال التعرض لجانحة إنفلونزا الطيور».

وقد تضافرت جهود ثلاث منظمات عالمية: منظمة الصحة العالمية، ومكتب مراقبة الصحة الحيوانية، والبنك الدولي لتضع موازنة أولية تقديرية لكلفة مواجهة الجانحة أو الحد من سرعة انتشارها كخطوة أولى على طريق محاصرتها من أجل القضاء - ولو مؤقتا - عليها.

وقدرت خطة العمل التي جاءت بها الدراسة أن العالم بحاجة إلى ما يقارب من نصف مليار دولار يصرفها على امتداد السنوات الثلاث المقبلة من أجل بناء أنظمة تحد من انتشار الجانحة على النطاق العالمي. ولا يدخل في حسابات تلك الموازنة تلك المصروفات المطلوب توفيرها - كل على حدة - على النطاق المحلي من أجل مواجهة احتياجات كل بلد بشكل تفصيلي تتولى تغطية نفقاته البلد المعني.

وقد نجحت المنظمات العالمية من جمع تبرعات نقدية بلغت 1,9 مليار دولار، وهو مبلغ فاق ما دعا إليه البنك الدولي البالغ 1,2 مليار دولار. وكان البنك الدولي قد قال في تقرير قدمه امام مؤتمر دولي عقد في جنيف في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي شارك فيه المئات من الخبراء أن الكلفة المالية الضرورية لدرء جانحة إنفلونزا الطيور ستصل إلى 800 مليار دولار وأنها - أي الجانحة - قد تودي بحياة ما بين 200 و300 ألف شخص في الولايات المتحدة فقط.

هناك الكثير من الندوات وورش العمل والمؤتمرات العالمية والإقليمية التي عقدت من أجل التصدي لتلك الجانحة من خلال التوعية وجمع الأموال ووضع الخطط وتنفيذها. وقد ساهم في تلك الأنشطة دول غنية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جنبا إلى جنب مع دول فقيرة مثل فيتنام وكمبوديا من آسيا والسنغال وبروندي من إفريقيا.

الإقليم الوحيد الذي لايزال في سبات نومه العميق حيال تلك الجانحة، هو الإقليم العربي الذي لم نسمع حتى الآن، سواء على الصعيد الإقليمي الشامل أو الوطني المحصور، عن خطة عمل رسمت أو موازنة رصدت من أجل التصدي لتلك الجانحة التي ظهرت بعض بوادر نذرها في بعض العواصم العربية.

ونحن لا نشير هنا إلى مشاركة بعض الخبراء العرب في مؤتمرات عالمية كتلك التي عقدت في بكين أو في جنيف، نحن نتحدث هنا عن فعاليات إقليمية أو محلية تعالج احتمالات محددة وتضع حلولا وقائية قابلة للتنفيذ. والمسئولية هنا لتقع على عاتق الوزارات ومؤسسات الدولة فحسب، فبقدر ما تتحمل هي المسئولية الكبرى، لكن ذلك لا يعفي مؤسسات المجتمع المدني الأخرى من ممارسة دورها المطلوب في هذا الاتجاه. فالجانحة عندما تجتاحنا لن تميز بين الحكومي وغير الحكومي فالكل أمامها سواء.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1267 - الخميس 23 فبراير 2006م الموافق 24 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً