لا يثير استغرابي مقال في صحيفة محلّية يحاول الإضرار باللحمة الوطنية والوئام الطائفي الذي عاشته ومازالت تنعم به البحرين، ولكن استغرب ممن يسمح للأقلام المغموسة في وحل الطائفية باللعب على أوتارها، فتمدّ أذرعها لتخنق الروح الوطنية كما يفعل الأخطبوط وهو يخنق ضحيته.
لافتة وضعتها جمعية إسلامية معروفة، ما فتئت تنظّم المؤتمرات وتشارك في الندوات الداعية إلى نبذ الطائفية وتلهث وراء كل نشاط يدعو إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية... لكن يأبى بعض الناس إلاّ النفخ في كير الطائفية، فيجرون وراء ما يشبع نهمهم في استهداف الوطن، كل الوطن، فلا يصدر من اللسان أو القلم سوى الأباطيل التي تنم عن عمق الأزمة الفكرية.
ولأن النفس الطائفي يعمي الأبصار والقلوب، ينقاد صاحبها للتوجسات ويقيم عليها نظريته، ولهذا فإن الشيخ، أو «الرجل» بتعبير الكاتبة، اختار التصعيد من دون سابق إنذار، والتوقيت في رأيها ذو مغزى: «فمحلياً نحن مقبلون على انتخابات، وإقليميا الملف النووي الإيراني قابل للاشتعال في أية لحظة». وقد تصاب «المرأة» بالصعقة حين تعلم أن هذه الكلمة أطلقها الشيخ قبل سنتين بالضبط، واختارتها الجمعية من بين مجموعة من الكلمات، ولم يكن للرجل يد فيها. ولعلم الجميع، لم يعد الرجل حتى من مؤسسي هذه الجمعية أصلاً بعد إعادة تأسيسها.
المقال على صغر حجمه، مليء بالخطل والوساوس المبنية على الأوهام، فالاختيار بين معسكر الحسين ويزيد يقود إلى تقسيم المجتمع إلى قسمين لا ثالث لهما، كما تقول الكاتبة: «المعسكر الشيعي أو المعسكر الآخر»، وكأنما الحسين (ع) للشيعة فقط، وهل يزعم الشيعة أن الحسين ملكهم الخاص؟ أَوَ ليس هو ابن رسول الله (ص)؟ وهل زعم الشيخ أنه الممثل الوحيد والشرعي لفكر الحسين ومدرسته، حتى ينقسم المجتمع البحريني إلى قسمين؟ ولو زعم ذلك ففي هذه الحال لن ينقسم المجتمع إلى سنّي وشيعي كما زعمت، بل سينقسم الشيعة أنفسهم إلى أقسام، فالرجل يمثّل أحد التيارات الشيعية في الساحة وليس كلّها.
مشكلة البعض ضيق الأفق، إنه ممزوج بالروح الطائفية الكريهة، فنحصل على هذه التخرصات التي ليس لها نهاية. فكلنا سنة وشيعة تحت مظلة الحسين (ع)، وإن اختلفنا تحت هذه المظلّة تبقى أهدافنا جميعا، هي أهداف الحسين، والاختلاف في الطرق والوسائل. فالشارع السنّي كله ينتمي للحسين ويعتزّ به ويسعى إلى تحقيق أهدافه، وان حدث اختلاف بشأن الطرق والوسائل، فإن ما يجمع الكل هو الانحياز لمدرسة الحسين واللجوء إلى مظّلته.
حديث «الرجل» وغيره عن مدرستين إذاً، ومادام هناك يزيد، فهناك الحسين ليقوّم الوضع وينقذ الأمة من الضياع. إنه خلاف في بيت واحد، ولذلك لا يحق لأحد احتكار الحسين لنفسه. فلماذا لا تفرّق الكاتبة بين الاختلاف بين مدرسة وأخرى، وبين الخلاف على الطرق والآليات التي تمثّل مدرسة الحسين التي يزعم الكل انتماءهم إليها والتشبث بها، وأهدافهم جميعا هي أهداف الحسين (ع)، ويسعون إلى الارتقاء بالأمة والعروج بها على هدى تلك الأهداف.
أما مدرسة يزيد فهي مدرسة الظلم والفحش في القول والفعل، مدرسة قتل النفس المحرّمة، الكل يتبرأ منها، وبالتالي هل اللافتة تدعو إلى الوحدة أم إلى الفرقة؟ وهل في البشر من يقول عكس ما تدعو إليه اللافتة، أَوَ ليس الكل يتشرّف بالانتماء لمدرسة الحسين الشهيد؟
لنغيّر شيئاً في اللافتة، ونستبدل كلمتي الحسين ويزيد بالإسلام والفسق، الإسلام بما يمثله من رسالة تستهدف نشر العدل وحفظ إنسانية الإنسان وكرامته، والفسق والمجون اللذين كانا ديدن يزيد بن معاوية، فهل في ذلك فتنة؟ هنا هل يحق للكاتبة اتهام من يرفع هذه اللافتة بأنه يدّعي أنه الممثل الوحيد للإسلام والطرف الآخر في خانة الفسقة والفجرة؟ إنه فعلاً تفكير غريب مريب!
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1267 - الخميس 23 فبراير 2006م الموافق 24 محرم 1427هـ