«كل شيء عظيم وجميل في هذا العالم يتولد من فكر واحد أو من حاسة واحدة في داخل الإنسان. كل ما نراه اليوم من أعمال الأجيال الغابرة كان قبل ظهوره فكراً خفياً في عاقلة رجل أو عاطفة لطيفة في صدر امرأة...الثورات الهائلة التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تعبد كالآلهة كانت فكراً خيالياً مرتعشاً بين تلافيف دماغ رجل فرد عائش بين ألوف من الرجال. والحروب الموجعة التي ثلت العروش وخربت الممالك كانت خاطرا يتمايل في رأس رجل واحد. فكر واحد أقام الأهرام وعاطفة واحدة خربت طروادة وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام».
كانت هذه كلمات الفيلسوف والشاعر اللبناني جبران خليل جبران في كتابه «الأجنحة المتكسرة». صحيح أن معظم كتبه وضعت بالإنجليزية، لكنه كتب ورسم و«فلسف» الأمور بروح مشرقية أصيلة لا غبار عليها. فالكلمات الأخيرة، كأنما هي رسالة موجهة إلى اللبنانيين بأن يتوحدوا ويعملوا على عجن أفكارهم ثم رقها وخبزها على نار الطموح إلى مجتمع أفضل وحياة أرق وعلاقات بين البشر تسودها السعادة المطلقة التي لم يتمتع بها جبران نفسه.
«هاجسنا الآن هو ألا يعود لبنان إلى الأيام السود السابقة، ولذا نحن قلقون من ازدياد التوتر هناك. أي شرارة ستؤدي إلى سفك الدماء والفوضى». هكذا تحدث السفير السعودي لدى واشنطن الأمير تركي الفيصل. أما الناطق باسم حزب الله حسين نابلسي فقال: «أي شخص يستطيع أن يفعل أي شيء الآن في لبنان. أي جهاز استخبارات يستطيع أن يفعل أي شيء، أن يقتل أيا كان، لجعل الهوة بين اللبنانيين أكبر وأكبر. ليس هناك سيطرة». هل وصلت الأمور حقاً إلى هذه الدرجة من الغليان في لبنان؟.
أجل، وربما أكثر... صحيح أن كل اللبنانيين يبدون حرصاً فائقاً على عدم عودة الأيام السود، إلا أن هذا الرغبة المحلية قد لا تبقى طويلاً متطابقة مع الإرادة الإقليمية والدولية. وبالتالي، أي «شرارة» بالفعل قد تخرج القضية اللبنانية برمتها من أيدي «ملائكة الطوائف» لتضعها في أحضان شياطين لعبة الأمم. هل نشهد قريبا طلقة مشابهة؟. وهذا ما يخشاه الآن حفنة العقلاء اللبنانيين الذين لم ينجروا إلى هستيريا الفرز الطائفي والمذهبي، والذين لا يسألون الآن الله رد القضاء «الدولي الإقليمي»، بل مجرد اللطف به!
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ