أكثر من 5 سنوات مرت على طرح موضوع الإصلاح في سورية. وعلى رغم الاختلافات التي قوبلت فيها كلمة الاصلاح بين السوريين في انتماءاتهم للسلطة والمعارضة وفي داخل كل واحدة، فقد عنى الإصلاح بالنسبة لهم جميعاً تحديث سورية، بمعنى ادخال جملة تغييرات في الواقع السياسي والاقتصادي والاداري، وركزت السلطات السورية على التغييرات في الجانبين الأخيرين الاقتصادي والاداري باعتبارهما مدخلاً لاحداث تبدلات جوهرية في الحياة السورية من شأنها ان تساعد في التغيير السياسي والاجتماعي، وهو الموضوع الذي ركزت عليه المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني باعتباره مدخلاً للتغيير السوري.
وطوال السنوات الماضية، تابعت السلطات السورية اعلان سياسات واصدار قوانين واتخاذ اجراءات بهدف التحديث، غير ان المحصلة الاجمالية، لم تكن مرضية بحسب اقل التعبيرات حدة، مقابل تعبيرات أكثر تشدداً، تؤكد أن نتائج ما تم القيام به في اطار عملية التحديث كان فاشلاً، وانه لم يكن سوى دوران داخل الحلقة المفرغة من الوضع المتردي الذي صار اليه الحال السوري في جوانبه المختلفة وخصوصاً في الجانبين الاقتصادي والاداري اللذين يجرى التركيز عليهما كمدخل للتحديث.
ومن دون الدخول في تفاصيل اختلاف وجهات النظر في موضوع نتائج التحديث السوري. فان ثمة توافق على عدم نجاح عملية التحديث - ولو بنسب متفاوتة - وهو أمر يدفع للوقوف عند أسباب عدم النجاح هذا، والتي يمكن القول إنها تندرج في إطار أسباب متعددة ومتداخلة ومعقدة بعضها يتصل بالسلطات، والبعض الآخر يعود للمجتمع.
إن الأهم في أسباب عدم نجاح عملية التحديث يتصل بمفهوم التحديث وهدفه. فمفهوم التحديث حسبما ظهر في سياسات السلطات واجراءاتها، هو تحديث شكلي، لا يتجاوز اجراء تغييرات في النصوص القانونية والترتيبات الادارية، من دون ان يغوص في أعماق القضايا والظواهر، ومن دون ان يمس جوهر الممارسة اليومية سواء في المستوى الحكومي او في المستوى المجتمعي، والاهم من ذلك، وهذا ما تؤيده السياسات المعلنة والاجراءات المتخذة في اطار عملية التحديث، ان هدف التحديث هو تجميل صورة السلطة القائمة وإعادة انتاجها طبقاً للاسس السائدة، وليس اجراء تغيير جوهري في واقع السلطة، وانتاج سلطة تحديثية تطويرية، تجعل مستقبل سورية والسوريين هدفها، بما يفرضه ذلك من تبدلات عميقة في الحياة العامة وأنشطتها.
والتباس مفهوم التحديث وهدفه، حدد الإطار الذي تم من خلاله اعلان سياسات التحديث في المجالين الاقتصادي والاداري، وجعل تلك السياسات مرتبكة وغير واضحة، وغير قادرة على المضي الى نهاياتها المرسومة، وفي هذا يمكن استعارة موضوع مكافحة البطالة مثالاً للسياسات الحكومية التحديثية، التي رغبت في معالجة مشكلة بطالة أكثر من مليون قوة عمل، تتضاعف كل اربع سنوات، ووضعت لذلك خطة حكومية وموازنة وادارة للمشروع، لكنها تأخرت في اطلاق المشروع لمدة عام، وجعلته يقع بعد اطلاقه فريسة الفساد وسوء الادارة المستحكمين، ثم اقالت مدير هيئة مكافحة البطالة على خلفية كلام قاله عن المشروع ذاته بعد سنوات من جهد لم يكن له ثمار ملموسة، ثم صار مشروع مكافحة البطالة الأبعد تناولاً في أحاديث الحكومة.
والمفصل الثالث في أسباب فشل عملية التحديث، يكمن في الاداة التي اعتمدت للقيام بالعملية، والتي تنتمي في غالبيتها الى الجهاز السياسي والحكومي ذاته المسئول عما آل اليه الوضع السوري من ترديات اقتصادية وادارية ان لم نقل أكثر، وفي الحالات القليلة التي جرى فيها الاستعانة بكفاءات من خارج هذا الجهاز على نحو ما حدث مع وزير التخطيط السابق عصام الزعيم للمضي في عملية التحديث في مستوى التخطيط والصناعة، سرعان ما تم استبعاد تلك الكفاءات مع محاولة ادانتها.
وواحد من الأسباب المهمة لفشل عملية التحديث، يكمن في طابعها باعتبارها عملية فوقية، تطرحها السلطات، وتنفذها المؤسسات والاجهزة الحكومية بما هو معروف عنها من خراب اداري وفساد مالي، وبيروقراطية وتشوهات ادارية، الامر الذي لا يوفر أي مستوى من ثقة الجمهور بما يجري، وخصوصاً انه لم يتم التوجه مباشرة الى المعنيين بعملية التحديث في القطاعات المختلفة. اذ لم يسأل موظفو الدولة عن آرائهم في عملية التطوير الاداري مثلاً، ولم يستشر جسم الجهاز القضائي فيما يمكن ادخاله من تحديثات في القوانين والقضاء وجهازه، وجرى تجاوز دور المشتغلين في قطاعات الاعلام والنشر لدى اصدار قانون المطبوعات قبل عامين، ويعكس هذا النهج في تجاوز المعنيين بالتحديث في قطاعاته روح تجاوز المجتمع والذي يفترض ان التحديث يتم لصالحه. ان التحديث بمعناه التغييري، هو ارادة سياسية قبل أي شئ آخر، وهو يحتاج الى مفهوم وهدف واضحين ومعلنين، كما يحتاج الى سياسات واجراءات متوافقه معه، والى ادوات تؤمن به، والى بيئة مجتمعية وقطاعية مشاركة، ومتفاعلة، ودون توفر ذلك، لا يمكن القيام الا بتحديث شكلي ذي طابع تجميلي ليس الا
العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ